وقوله ـ عزوجل ـ : (قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً)
أي : لا أحد يملك من دون الله شيئا ، إن أراد إهلاك (الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ ...) الآية ، أي : لو كان إلها ـ كما تقولون ـ لكان يملك دفع الإهلاك عن نفسه وعن أمه ومن عبدهما في الأرض.
وقيل : فمن يملك أن يمنع من الله شيئا من عذابه إن أراد أن يهلك المسيح بعذاب ، وأمّه ومن في الأرض جميعا بعذاب أو بموت؟! وهما واحد (١).
ثم عظّم نفسه عن قولهم ونزهها حين قالوا : (إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ) ، فقال : (وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ)
أي : كلهم عبيده وإماؤه ، يخلق ما يشاء من بشر وغير بشر.
(وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)
أي : قادر على خلق الخلق من بشر ومن غير بشر ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَقالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصارى نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ) [الآية](٢).
يحتمل أن يكون هذا القول لم يكن من الفريقين جميعا ، ولكن كان من أحد الفريقين هذا ، ومن الفريق الآخر غيره ، وكان كقوله ـ تعالى ـ : (وَقالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى) [البقرة : ١١١] كأن هذا القول : كان كل فريق نفي دخول الفريق الآخر الجنة ، لا أن قالوا جميعا : (لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى).
ويحتمل : أن كان من النصارى (نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ) ؛ لما ذكر في بعض القصة أن عيسى ـ عليهالسلام ـ قال لقومه : «أدعوكم إلى أبي وأبيكم الذي في السماء» ؛ فقالوا عند ذلك : (نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ) ، وكان من اليهود : «نحن أحباء الله».
ويحتمل : أن يكون هذا القول كان منهما جميعا ، قال كل واحد من الفريقين : (نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ).
وقيل : إنهم قالوا ذلك في المنزلة والقدر عند الله تعالى ، أي : لهم عند الله من المنزلة والقدر كقدر الولد عند والده ومنزلته عنده ، ولا يعذبنا ، فقال : قل يا محمد :
(فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ)
إن كان ما تقولون حقّا فلم يعذبكم؟! حيث جعل منكم القردة والخنازير ، ولا أحد من
__________________
(١) ينظر : تفسير الطبري (٤ / ٥٠٤).
(٢) سقط من ب.