الخلق يحتمل قلبه أن يكون ولده أو صديقه قردا أو خنزيرا.
أو يقال : لا أحد يحتمل قلبه تعذيب ولده وحبه ـ بذنب يذنبه ـ بالنار ، وقد أقررتم أنكم تعذبون في الآخرة قدر ما عبد آباؤكم العجل.
ثم قال : (بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ)
أي : من اتخذ ولدا وحبّا أن يتخذ من شكله ومن جنسه ؛ فالله ـ تعالى ـ إنما خلقكم من بشر ؛ كغيركم (١) من الخلق ، وأنتم وهم في ذلك سواء ، فكيف خصصتم أنفسكم بذلك؟!.
وقوله ـ عزوجل ـ : (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ)
دليل أن من رفع أحدا من الرسل فوق قدره في الكفر كمن حط عن قدره ومرتبته.
وقوله : (يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ)
أي : من تاب وأسلم.
(وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ)
من دام على الكفر ، ومات عليه (٢).
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما)
أي : كلهم عبيده وإماؤه وخلقه ؛ يعظم نفسه عن قولهم : (نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ) ، ولا أحد يتخذ عبده ولده ولا حبّا ؛ فأنتم إذا أقررتم أنكم عبيده ، كيف ادعيتم البنوة والمحبة؟! والله أعلم.
وفي الآية دلالة إثبات رسالة [نبينا](٣) محمد صلىاللهعليهوسلم ؛ لأنهم قالوا قولا فيما بينهم ، ثم أخبرهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم بذلك ؛ ليعلم أنه إنما عرف ذلك بالله.
وقوله ـ عزوجل ـ : (يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ)
يحتمل قوله ـ تعالى ـ : (يُبَيِّنُ لَكُمْ) ما كنتم تكتمون من نعته وصفته (٤) ، ويحرفون ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ).
ويحتمل : (يُبَيِّنُ لَكُمْ) مما [لكم وعليكم](٥) من الأحكام والشرائع ، ويحتمل :
__________________
(١) في الأصول : كغيره.
(٢) ينظر : تفسير الطبري (٤ / ٥٠٧) ، رقم (١١٦١٨).
(٣) سقط من ب.
(٤) ينظر : تفسير الطبري (٤ / ٥٠٢).
(٥) في ب : عليكم وعليكم.