وقوله ـ عزوجل ـ : (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبا قُرْباناً)
[قال الحسن وغيره : لم يكونا ابني آدم من صلبه ، ولكن كانا رجلين من بني إسرائيل قربا قربانا](١) ؛ فتقبل قربان أحدهما ، ولم يتقبل قربان الآخر (٢) ، وإن نسبهما إلى آدم ؛ لأن كل البشر ولد آدم ينسب إليه ، كقوله ـ تعالى ـ : (يا بَنِي آدَمَ) افعلوا كذا ولا تفعلوا كذا ، ليس يريد به ولد آدم لصلبه ، ولكن البشر كله ؛ فعلى ذلك الأول ، والله أعلم.
وأمّا ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ والكلبي وغيرهما من أهل التأويل : فإنهم قالوا : «إنهما كانا ابني آدم لصلبه : أحدهما يسمى قابيل ، والآخر هابيل ، وكان [لكل] واحد منهما أخت ولدت معه في بطن واحد ، وكانت إحداهما جميلة ، والأخرى دميمة (٣) ، فأراد كل واحد منهما نكاح الجميلة منهما ، فتنازعا في ذلك ؛ فقال أحدهما لصاحبه : تعال حتى نقرب قربانا ، فإن تقبل قربانك فأنت أحق بها ، وإن تقبل قرباني فأنا أحق بها ، فقربا قربانهما ، فقبل قربان هابيل ، ولم يتقبل قربان قابيل ؛ فحسده ؛ فهم أن يقتله ؛ فذلك قوله ـ تعالى ـ : (إِذْ قَرَّبا قُرْباناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِما وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قالَ إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ)(٤) ، ولكن لا ندري كيف [كانت](٥) وفيما كانت القصة؟ وكانا ابني آدم لصلبه ، أو لم يكونا ، وليس لنا إلى معرفة هذا حاجة ، إنما الحاجة في هذا إلى معرفة ما فيه من الحكمة والعلم ؛ ليعلم ذلك ويعمل به ، فهو ـ والله أعلم ـ ما ذكر ـ عزوجل ـ فيما تقدم من قوله تعالى : (يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ) [المائدة : ١٥] ، وقال في آية أخرى : (يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ) [المائدة : ١٩] فكأن هذا ـ أعني : نبأ ابنى آدم ـ كان (٦) في كتبهم ، فأمر ـ عزوجل ـ رسوله أن يتلو عليهم ذلك على ما كان ، ويبين لهم ما في كتبهم ؛ لأنه قال : (قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ) و (يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ) ليعلموا أنه إنما علم ذلك بالله ، لا بأحد من البشر ؛ لأنه إنما بعث عند دروس (٧) آثار الرسل ، وانقطاع العلوم ، فبين لهم واحدا بعد واحد ، ففيه دليل إثبات رسالة
__________________
(١) ما بين المعقوفين سقط من ب.
(٢) أخرجه الطبري (٤ / ٥٣٠) ، رقم (١١٧٢٢) ، وابن أبي حاتم ، كما في الدر المنثور (٢ / ٤٨٤).
(٣) في ب : ذميمة.
(٤) أخرجه الطبري (٤ / ٥٢٩) ، رقم (١١٧١٨) عن ابن عباس وابن مسعود ، وعن ناس من أصحاب النبي صلىاللهعليهوسلم.
(٥) سقط من ب.
(٦) في ب : كاف.
(٧) درس درسا ودروسا : عفا وذهب أثره. لسان العرب (درس) ، المعجم الوسيط (١ / ٢٧٩).