يدل على أن الحكم الذي أجرى على قطاع الطريق الكفرة يجري ذلك الحكم في المسلمين ، إذا كان منهم ما كان من المشركين من قطع الطريق على الناس وإخافته عليهم.
وقد يتوهم أن الآية نزلت في أهل الحرب ، وقد أبيح لنا قتل من ظفرنا به منهم كيف شئنا ، وإن لم يفسدوا في الأرض ولم يقطعوا الطريق ؛ وهذا يدل أن الآية نزلت بالحكم في أهل الكفر وأهل الإسلام جميعا ، إذا سعوا في الأرض بالفساد ، ومن الدليل على ذلك : أن الله ـ تعالى ـ قال : (إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ) [المائدة : ٣٤] ، وأجمعوا أن الكافر إذا قتل مسلما ، وأظهر في الأرض الفساد ، فقدرنا عليه وأسرناه ، ثم أسلم ـ أنه يزول عنه القتل والقطع والطلب ؛ فدل ذلك على أن الآية نزلت بالحكم في المسلمين ؛ لأنه يختلف حكمه إذا تابوا من قبل أن يقدر عليهم ، أو بعد قدرتنا عليهم ، ولم ينزل فيمن يستوى حكمه في الحالين جميعا ، إذا تابوا بعد القدرة ، فالحكم ثابت عليهم ، فأما الذي روي عن النبي صلىاللهعليهوسلم من فعله بالعرنيين : فإنهم كانوا أسلموا ، ثم ارتدوا.
واحتج من ذكرنا قوله من المتأخرين بأن الآية نزلت فيهم ـ بحديث أنس من فعله بالعرنيين. وقد روي عن بعض المتقدمين أن الآية نزلت بعد قتل العرنيين من نحو ابن سيرين وغيره (١) ؛ فالواجب على من ادعى أن الآية نزلت في العرنيين أن يبين دعواه.
وكان أصحابنا ـ رحمهمالله ـ يذهبون إلى ما روي عن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ ويرون أن يؤخذ المحارب إذا تاب قبل أن يقدر عليه بما أصاب من دم ومال ، على سبيل القصاص ، ولا يصلب ولا تقطع يده ورجله فيما أصاب من مال ؛ فكأنهم ذهبوا إلى أن يزال الحد الذي لله على المحارب بتوبته قبل أن يقدر عليه ، وهو ما كان إلى الإمام إقامته ، ولا أمر للولي فيه.
وأما الحقوق التي هي للعباد : فإن التوبة لا تعمل في إبطالها ، ولكل ذي حق أن يأخذ بحقه لا حق للإمام ؛ لأن الحق صار للولي دون الإمام.
وفي قوله : (إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ) دلالة على أن السارق إذا رد السرقة قبل أن يقدر عليه أن لا قطع عليه ؛ وكذلك روي عن بعض المتقدمين أنهم قالوا : ليس على تائب قطع (٢).
__________________
(١) أخرجه أبو داود (٤٣٧١) عن محمد بن سيرين قال : كان هذا قبل أن تنزل الحدود : يعني : حديث أنس ، وينظر : تفسير القرطبي (٦ / ٩٧ ـ ٩٨).
(٢) ينظر : اللباب في علوم الكتاب (٧ / ٣١١).