وقوله ـ عزوجل ـ : (مِنَ الَّذِينَ قالُوا آمَنَّا بِأَفْواهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ)
قال : قالوا : (آمَنَّا بِأَفْواهِهِمْ) ، ولم يقل : آمنوا بأفواههم ؛ ليعلم أن القول به ليس هو من شرط الإيمان ؛ إنما الإيمان هو تصديق القلب ، لكن يعبر به اللسان عن قلبه ؛ ألا ترى أنه قال : (وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ) ، والإيمان : هو التصديق في اللغة ؛ لأن ضده التكذيب ؛ فيجب أن يكون ضد التكذيب : التصديق. والتصديق يكون بالقلب ؛ حيث قال ـ عزوجل ـ : (وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ) ، لكن اللسان يعبر (١) عن ضميره ، فهو ترجمان القلب فيما بين الخلق ؛ فهذا يدل أيضا على أن الإيمان ليس هو المعرفة ؛ لأن الإيمان لو كان معرفة لكان يجب أن يكون ضده جهلا ؛ فلما كان ضدّ الإيمان تكذيبا وجب أن يكون ضد التكذيب : التصديق ، والتصديق والإيمان في اللغة سواء ؛ ولأن المعرفة قد تقع في القلب على غير اكتساب فعل وإنما (٢) والتصديق لا يكون إلا باكتساب ترك مضادته وهو التكذيب ؛ لذلك قلنا : إن الإيمان ليس هو المعرفة ، ولكنه تصديق.
ثم اختلف في هؤلاء : قال بعضهم : هم المنافقون الذين (٣) كانوا يظهرون الإيمان باللسان ، وقلوبهم كافرة.
وقال آخرون : هم اليهود والمنافقون (الَّذِينَ قالُوا آمَنَّا بِأَفْواهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ) ، وهو قول ابن عباس ، رضي الله عنه (٤).
(وَمِنَ الَّذِينَ هادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ)
هذا يدل أن قوله ـ تعالى ـ : (مِنَ الَّذِينَ قالُوا آمَنَّا بِأَفْواهِهِمْ) في المنافقين.
وقوله ـ عزوجل ـ : (سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ)
يحتمل : سماعون إلى النبي صلىاللهعليهوسلم خبره ، (سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ) خبره بالكذب ، ومعناه ـ والله أعلم ـ : أنهم كانوا يستمعون إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم خبره ، وما يقول لهم ، ثم يأتون الذين لم يأتوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم فيخبرونهم خلاف خبره وغير ما سمعوا منه.
وقيل : إن رسول الله صلىاللهعليهوسلم كان يقول : إن في التوراة كذا من الأحكام والشرائع ؛ فإذا سمع هؤلاء منه ذلك أتوا أولئك الذين لم يأتوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم فيقولون : إنه كاذب ، وليس
__________________
(١) في الأصول : يعبره.
(٢) في الأصول : ربما.
(٣) في ب : وقال الذين.
(٤) أخرجه ابن المنذر وابن أبي حاتم كما في الدر المنثور (٢ / ٤٩٨) ، وقاله أيضا مجاهد ، أخرجه عنه الطبري (٤ / ٥٧٤) رقم (١١٩٣١).