فَخُذُوهُ ...) الآية : إنها نزلت في قتيل قتل عمدا بين قبيلتين : بني قريظة ، والنضير ، وكان القتيل من بني قريظة ، وكان (١) بنو النضير إذا قتلوا من بني قريظة لم يعطوهم القود ، ولكن يعطونهم الدية ، [وإذا] قتل بنو قريظة من بنى النضير لم يرضوا إلا بالقود ؛ يتعززون عليهم ، فقدم رسول الله صلىاللهعليهوسلم المدينة فأرادوا أن يرفعوا أمرهم إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ؛ ليحكم بينهم ، فقال رجل من المنافقين : إن قتيلكم قتل عمدا ، وأنا أخشى عليكم القود ، فإن كان محمد أمركم بالدية وقبل منكم فأعطوه ، وإلا فكونوا على حذر ، فأخبر الله ـ عزوجل ـ نبيه صلىاللهعليهوسلم بما قالوا ؛ فقال : (يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هذا فَخُذُوهُ) [يعني : الدية](٢) ، (وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا)(٣).
فلا ندرى فيم كانت القصّة ، وفيه من الدلائل ما ذكرنا من إثبات الرسالة والنبوة ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَمَنْ يُرِدِ اللهُ فِتْنَتَهُ)
قيل : من يرد الله عذابه وإهلاكه ؛ فلن يملك أحد دفع ذلك العذاب عنه.
وقيل : الفتنة : المحنة ، أي : من يرد الله أن يمتحن بالرجم أو القتل ؛ فلن يملك له أحد دفع ذلك عنه (٤).
وقوله [ـ عزوجل ـ :] (أُولئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ) قالت المعتزلة : قوله : (لَمْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ) تأويله يحتمل وجهين :
يحتمل : (لَمْ يُرِدِ اللهُ). أي : لم يطهر الله قلوبهم.
والثاني : (أُولئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ) بالشرك والكفر ، وذلك بعيد ؛ لأنه كيف يطهر بالكفر ، وبالكفر يتنجس؟!.
لكن الوجه عندنا في قوله ـ تعالى ـ : (أُولئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ) أي : لم يرد الله أن يطهر قلوبهم ؛ إذ علم منهم أنهم يختارون ما اختاروا ، ويريدون ما
__________________
(١) في الأصول : وكانت.
(٢) سقط من ب.
(٣) أخرجه أحمد (١ / ٢٤٦) ، وأبو داود (٣ / ٢٩٩) كتاب الأقضية : باب في القاضي يخطئ ، (٣٥٧٦) مختصرا ، والطبراني في الكبير (١٠ / ٣٦٧) ، رقم (١٠٧٣٢) ، وابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس بنحوه مطولا ، كما في الدر المنثور (٢ / ٤٩٨) ، وقال الهيثمي في المجمع (٧ / ١٦) : وفيه عبد الرحمن بن أبي الزناد وهو ضعيف وقد وثق ، وبقية رجال أحمد ثقات. ا ه. والحديث عند الطبري (٤ / ٥٩٤) ، رقم (١٢٠٤٢) ، وقد سقط من سنده ابن عباس.
(٤) ينظر : تفسير الرازي (١١ / ١٨٤).