أرادوا ، فإنما أراد ما كان علم منهم أنهم يريدون ويختارون ؛ وكذلك قوله ـ تعالى ـ : (وَمَنْ يُرِدِ اللهُ فِتْنَتَهُ) يريد فتنة من علم أنه يريدها ويختارها ، فإنما يريد ما أراد هو ويختار.
وظاهر الآية على المعتزلة ؛ لأنه قال : (لَمْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ) ، وهم يقولون : أراد أن يطهر قلوبهم. وذلك ظاهر الخلاف بيّن ، وبالله العصمة.
[وقوله ـ عزوجل ـ :](١)(لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ)
الخزي في الدنيا يحتمل : القتل ، ويحتمل : العذاب والجزية (وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ).
وقوله ـ عزوجل ـ : (سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ)
يحتمل وجهين :
يحتمل : (سَمَّاعُونَ) ، أي : مستمعون إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ؛ ليعرفوا به فيكذبوا عليه.
ويحتمل قوله : (سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ) ، أي : قابلون لما ألقى إليهم من الكذب : كانوا يقبلون لما ألقى إليهم من الكذب ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ)
قال بعضهم : كل حرام هو سحت (٢) ، فإن كان السحت اسم كل حرام ، فذلك يعم جميع الكفرة أو أكثرهم.
وقال آخرون : السحت (٣) : هو الرشوة في الحكم (٤) ، فإن كان السحت هذا فذلك يرجع إلى رؤسائهم الذين يحكمون فيما بينهم ، ويأخذون على ذلك رشوة.
__________________
(١) بياض في ب.
(٢) قال علي بن أبي طالب : أبواب السحت ثمانية : رأس السحت : رشوة الحاكم ، وكسب البغي ، وعسب الفحل ، وثمن الميتة ، وثمن الخمر ، وثمن الكلب ، وكسب الحجام ، وأجر الكاهن.
أخرجه عنه الطبري (٤ / ٥٨١) ، رقم (١١٩٧٠) ، وأبو الشيخ كما في الدر المنثور (٢ / ٥٠٢). وقال الرازي : روي ذاك عن عمر وعثمان وعلي وابن عباس وأبي هريرة ومجاهد ، وزاد بعضهم ونقص بعضهم ، وأصله يرجع إلى الحرام الخسيس الذي لا يكون فيه بركة ، ويكون في حصوله عار بحيث يخفيه صاحبه لا محالة. تفسير الرازي (١١ / ١٨٥).
(٣) قال القاسمي (٦ / ٢٠٨) : قال ابن مسعود : الرشوة في كل شيء. فمن شفع شفاعة ليرد بها حقّا ، أو يدفع بها ظلما ، فأهدي بها إليه ، فقبل ، فهو سحت. فقيل : له : يا عبد الرحمن! ما كنا نرى ذلك إلا الأخذ على الحكم؟ فقال : الأخذ على الحكم كفر! قال الله تعالى : (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ) [المائدة : ٤٤].
(٤) قاله ابن عباس ، وابن مسعود ، ومجاهد وغيرهم ، أخرجها عنهم الطبري (٤ / ٥٧٩ ـ ٥٨١) ، وينظر : الدر المنثور (٢ / ٥٠١ ـ ٥٠٢).