أبي بكر ـ رضي الله عنه ـ لأنا قد ذكرنا في الآية الأولى ما يدل على إثبات الإمامة له في الوقت الذي كان هو إماما ، ونحن لا نجعل لعلي ـ كرم الله وجهه ـ الخلافة له في الوقت الذي لم ير لنفسه فيه الخلافة ؛ لأنه روي عنه أنه قال : «إن أبا بكر هو خير الناس بعد رسول الله ، صلىاللهعليهوسلم» (١) أو كلام نحو هذا.
وفي الخبر عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «لو ولّيتم أبا بكر لوجدتموه قويّا فى دينه ، ضعيفا فى بدنه ، وإن ولّيتم عمر لوجدتموه قويّا فى دينه وبدنه ، وإن ولّيتم عليّا لوجدتموه هاديا مهديّا مرشدا» فنقول : نحن على ما كان من على وسائر الصحابة ـ رضوان الله عليهم أجمعين ـ من تسليم الأمور (٢) إلى أبي بكر ، وتفويضهم إليه من غير منازعة ظهرت من على ـ كرم الله وجهه ـ في ذلك ؛ فلو كان الحق له في ذلك الوقت ، لظهرت منه المنازعة على ما ظهرت في الوقت الذي كان له.
فقالوا : لأن عليّا ـ رضي الله عنه ـ لم يكن له أنصار ، وفي الوقت الذي ظهرت المنازعة منه والطلب كان له أنصار.
قيل : لا يحتمل أن يكون الحق له فيها ثم لا يطلب ؛ لما لم يكن له أنصار ؛ ألا ترى أن أبا بكر ـ رضي الله عنه ـ مع ضعفه في بدنه ، خرج وحده لحرب أهل الردة ، حتى لما رأوه خرج وحده حينئذ تبعوه؟! فأبو بكر لم يترك طلب الحق لعدم الأنصار ، مع ضعفه في بدنه ، فعلي ـ رضي الله عنه ـ مع شدته وقوته وفضل علمه بأمر الحرب ؛ حتى لم يبارز أحدا من الأعداء إلا غلبه وأهلكه ؛ فكيف توهمتم فيه ترك طلب الحق لفقد الأنصار له والأعوان في ذلك؟! هذا لعمري لا يتوهم في أضعف أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم فضلا أن يتوهم في علي ـ رضي الله عنه ـ فدل ترك طلب ذلك منه على أنه ترك ؛ لما رأى الحق له ، والله أعلم.
واحتجوا بما روي عن [رسول](٣) الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال لعلي : «أنت منّي بمنزلة هارون من موسى ، غير أن لا نبىّ بعدى» (٤) ، وهارون كان خليفة موسى ؛ فلم أنكرتم ـ أيضا ـ أن
__________________
(١) أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (٦ / ٣٥١) كتاب الفضائل : باب ما ذكر في فضل أبي بكر الصديق (٣١٩٥٠).
(٢) في الأصول : الأموال.
(٣) في ب : نبي.
(٤) أخرجه مسلم (٤ / ١٨٧٠) كتاب فضائل الصحابة : باب من فضائل على بن أبي طالب ، حديث (٣٠ / ٢٤٠٤) ، وأحمد (١ / ١٧٧) ، وعبد الرزاق (٩٧٤٥) ، والحميدي (٧١) من حديث سعد بن أبي وقاص.