وأسباب الحل فهي على اختلافها متفقة على منع ابتدائها إذا قارنتها ؛ فعلى ذلك أمر سبب الحنث ؛ فلذلك بطلت (١) اليمين والكفارة ، وهي كفارة اليمين فلا يجب فيما لا يمين يجب فيها ، وليس ذلك كالقول بمس السماء ونحو ذلك ؛ لأن اليمين في هذا على ما يكون ، فسبب (٢) الحنث لم يقترن بها فصحت ؛ لذلك اختلف الأمران ، وهذه المسألة توضح حال رجلين : الشافعي في قوله : إن الكفارة تجب للحنث وهاهنا لا حنث ؛ لما لم يصح العقد ؛ ليحنث فيه ، ويكون الحنث ـ أيضا ـ بعد العقد ، ولم يكن مع ما كان النص بالكفارة في اليمين المعقودة (٣) التي أمر فيها بالحفظ ، ومحال الأمر بالحفظ في هذه اليمين ، وإنما يجب الحفظ عنها أن يحلف به ، والله أعلم.
وحال أبي عبيد حيث يوجب الكفارة بعقد اليمين ، وعنده اليمين الغموس يمين لا يجب فيها الكفارة ، فهذا يوضح أن الكفارة تجب للذى يرد في اليمين لا لنفسها ، والله أعلم.
ثم احتج قوم بوجوب الكفارة بعقد اليمين بقوله : (وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ) ثم قال : (فَكَفَّارَتُهُ) ـ أي : عندهم ـ كفارة ما عقد من الأيمان بما فيها الإضافة ، ولم يسبق غير ذلك العقد يضاف إليه ؛ وكقوله : (ذلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمانِكُمْ) أضيف إلى اليمين ؛ وعلى ذلك تسمية المؤمنين كفارة اليمين مع ما فيه وجهان من المعتبر :
أحدهما : ما روي عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم لما رأى بحمزة (٤) الطعنة أقسم ليمثّلنّ بكذا من قريش ؛ فنزل النهي عن الوفاء بذلك ؛ فكفر عن يمينه (٥). ومعلوم أنه لا يحنث في يمينه إلا في الوقت الذي لا يحتمل برّ مسألة في حياته ثبت أنها كانت لليمين ؛ وكذا ما جاء : «من حلف على يمين ...» إلى أن قال : «وليكفّر عن يمينه» (٦) إنما أمر بتكفير يمينه ، والله أعلم.
__________________
(١) في ب : بطل.
(٢) في ب : بسبب.
(٣) في أ : العقوق.
(٤) حمزة بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف القرشي الهاشمي أبو عمارة ، عم النبي صلىاللهعليهوسلم وأخوه من الرضاعة استشهد بأحد. ينظر : الإصابة (١٨٣١) ، تاريخ خليفة (٦٨).
(٥) أخرجه الحاكم (٣ / ١٩٧) من طريق صالح المري عن سليمان التيمي عن أبي عثمان النهدي عن أبي هريرة ، به. وسكت عنه الحاكم ، وقال الذهبي : صالح واه ، وضعفه ابن كثير في «تفسيره» (٢ / ٥٩٢) ، وذكره الهيثمي في «المجمع» (٦ / ١٢٢) ، وقال : رواه البزار والطبراني ، وفيه صالح بن بشير المري وهو ضعيف.
(٦) تقدم.