عنه ؛ فلذلك (١) جعلت الأيمان لدفع التهم وتحقيق الأمر للخلق عن الحالفين ، وأيد ذلك أوجه :
أحدها : ما روي عن نبي الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «إذا حلفتم فاحلفوا بالله» (٢) ، وقال : «لا تحلفوا بآبائكم ولا بالطّواغيت» (٣) فحذر الحلف بغيره بما فيه تعظيم ذلك ورفعه عن قدره ، وألزم ألا يجعلوا لأحد ذلك القدر إلا لله تعالى.
والثاني : قوله : (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ إِذا عاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها) [النحل : ٩١] ، ولا يجوز أن ينهى عن الرجوع عن المعصية ويأمر بالوفاء بها.
والثالث : الأمر الظاهر عن نبي الرحمة لحلفه وقسمه في غير موضع (٤) ، وما ذكر في قصة يعقوب وأولاده ، وأمر إبراهيم ـ عليهالسلام ـ في شأن الأصنام ، وأمر أيوب ـ عليهالسلام ـ لم يجز أن يكونوا عصاة بفعلهم ، وذلك ينبئ عن جرأة من زعم أن الحالف عاص بما ترك الثنيا ، ومن ذكرنا من الأنبياء ـ عليهمالسلام ـ قد تركوا الثنيا ، وليس ذلك كالوعد ؛ لأنه إلى نفسه يضيف الفعل وهو يفعله ، تحت مشيئة الله ـ تعالى ـ وفي اليمين بالله يستغيث وإليه يرجع ، فلذلك اختلف الأمران ، والله أعلم.
والدليل على أنها لم تجب باليمين قول رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها ، فليأت بالّذي هو خير ، وليكفّر يمينه» ، أو قال : «فليكفّر يمينه ، وليأت الّذي هو خير» (٥) ولو كانت الكفارة واجبة باليمين ، لكان لا وجه للأمر بالذي يأتي وهي
__________________
(١) في ب : ولذلك.
(٢) تقدم قريبا من حديث عبد الله بن عمر.
(٣) أخرجه أحمد (٥ / ٦٢) ، ومسلم (٣ / ١٢٦٨) : كتاب الإيمان : باب من حلف باللات والعزى فليقل لا إله إلا الله ، (٦ ـ ١٦٤٨) ، والنسائي (٧ / ٧) كتاب الأيمان : باب الحلف : بالطواغيت ، وابن ماجه (٣ / ٤٨٠) كتاب الكفارات : باب النهي أن يحلف بغير الله ، (٢٠٩٥) والبيهقي (١٠ / ٢٩) من طريق هشام بن حسان عن الحسن عن عبد الرحمن بن سمرة مرفوعا : «لا تحلفوا بآبائكم ولا بالطواغيت».
ووقع عند مسلم وابن ماجه «بالطواغي» وهو جمع طاغية ، والمراد : الصنم ، ومنه الحديث الآخر : «طاغية دوس» أي صنمهم ، سمى باسم المصدر ؛ لطغيان الكفار بعبادته ؛ لكونه السبب في طغيانهم ، وكل من جاوز الحدّ في تعظيم أو غيره ، فقط طغى ، ومنه قوله ـ تعالى ـ : (إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ)[الحاقة : ١١] ، وأما الطواغيت فهو جمع طاغوت ، ويجوز أن يكون الطواغي مرخما بدون حرف النداء على أحد الآراء ، ويدل عليه مجىء أحد اللفظين موضع الآخر في حديث واحد.
قاله الحافظ في فتح الباري (١٣ / ٣٨٥).
(٤) عقد البخاري في صحيحه كتاب الأيمان والنذور (١٣ / ٣٦٩) بابا أسماه : باب كيف كانت يمين النبي صلىاللهعليهوسلم؟ فيه الأحاديث (٦٦٢٨ ـ ٦٦٤٥).
(٥) تقدم تخريجه.