والثالث : نحو مرة وثلاث مرات في يوم واحد وبين ذلك.
فإذا لم يثبت في خبر ما إليه رجع المراد ، فحق الاحتياطات أن يكون الوسط من الكل ؛ فيخرج بما فرض عليه ؛ فلذلك وجبت أكلتان مع ما كان لا يعرف حقيقة الأوسط (١) من الأنواع والمقادير لما لا منتهى لطرفيه ، وقد يعرف حقيقة عدد الأكثر (٢) والأقل من الوقت فهو أحق أن يعتبر ، والله أعلم.
ثم كان الأمر في الظاهر بالإطعام ، وأجمع على رجوع الأمر إلى الحد ، وإن لم يذكر ، فهو ـ والله أعلم ـ يحتمل أن يكون انتزع حده من حكم الكتاب من وجهين :
أحدهما : أن الآية إذا كانت على ما يؤكل ويطعم ، كان فيما عليه العرف إلا أحد يقرب إلى آخر ما يطعمه ، فيقتصر على أقل ما يستحق اسمه ، وقد يتصدق بالقليل في العرف ؛ فلذلك في الأمر به تحديد إذا (٣) كان مما يعرف فيه التحديد ؛ ولذلك لم يذكر فيه التفسير مرفوعا (٤) ، وذكر في قصة المتأذى لما ليس في لفظها دلالة الحد ، وفي لفظ الإطعام دلالته ؛ إذ فيه عرف ، وعلى هذا أمر ما جاء من البيان في الصدقات ، ولم يذكر في الإطعام إلا لمكان النوازل ؛ وعلى هذا يجب أن يجوز الإطعام أيضا ، وإن لم يكن فيه تمليك ، والله أعلم.
والثاني : قوله ـ تعالى ـ : (مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ) ومعلوم أن كل شيء له واسط ، فهو ذو حدود وأطراف ، على أنه ردّ إلى طعام الأهل ، وفيه الإشباع لا محالة ؛ لذلك وجب القول بالحد ، والله أعلم.
وإذا ثبت القدر فيه بحق الخطاب يجب وصل ذلك به ؛ ليعرف [به](٥) حقيقة المقصود ، والله أعلم.
فصار كأنه قال : إطعام عشرة مساكين ؛ إذ طعام عشرة في العرف عبارة عن قدر طعامهم ، وإطعام عشرة عبارة عن فعل الإطعام ، وقد ثبت أنهما ارتدا جميعا فكأنهما ذكرا موصولين ، ولو توهمنا ذلك لم يكن بحق حفظ العدد ، بل بحق حفظ مقدار ذلك العدد من الصيام كان مدفوعا إلى الواحد أو أكثر ، والله أعلم ؛ لذلك أجاز أصحابنا جمع الكل في مسكين واحد عشرة أيام ، ولم يجيزوا في يوم واحد ؛ إذ حق الأمر على أن يغدي
__________________
(١) في الأصول : الواسط.
(٢) في ب : الأكبر.
(٣) في ب : إذ.
(٤) تنظر الآثار في ذلك في الدر المنثور (٢ / ٥٥٣).
(٥) سقط من ب.