ويعشي ، وإن كان يجوز الدفع لما فيه حق الإطعام ، فصير طعام كمال ذلك ، وهو قدر طعام مسكين ؛ فيزول عنه المسكنة ، لكن الإطعام فيه لا يجوز ، أو إذا (١) صح كان حق ما ذكرت الجواز ، ففساده لمعنى اعتراض فمنع ، لا لأنه خارج عن أن يراد له على ذلك ، وذلك كخروج بعض المساكين لعلل عن الدفع إليهم ، لا لأنه لو أجيز كان كالخلاف للذكر ، فمثله الأول ، والله أعلم.
ودليل آخر مما له جرى ذكر عشرة لا لأن يجعل العشرة شرطا : أنه معلوم بالمعنى الذي له جعل الدفع إليهم أو الإطعام لهم سببا للجواز : أن ذلك ثبت بحيث تحمل المكروه على الطبع ، وكف الهوى عن مثلها ، وإذاقة النفس مرارة الدفع لله ـ جل ثناؤه ـ يكفر ما أتبعها هواها ، وأوصلها إلى مناها فيما خالف الله في فعله حيث لم يف بالعهد الذي عهد لله ، أو ألزم نفسه عهدا من منع عن الوفاء ، فيخرج فعله مخرج [فعل](٢) ناقض العهد ، ومخلف الوعد بالله ، وذلك المعنى في البذل لا في مراعاة العدد ، ولا في أنه كان حقّا لهم قبل الدفع ، بل باختيار الدفع إليهم يجعلهم محقين فيه بما له إيثار غيرهم ، والخروج عن ذلك بالعتق والصيام الذي لا يعود إليهم نفعه ، ولكن الكفارة إذا جعلت مما يغدي ويعشي ، ونحو ذلك إذا أريد الخروج به منه بمسكين واحد يحتاج إلى تجديد الأيام ومرور الأوقات ، وفي ذلك خوف بقاء الذنوب عليه ، ولعله يعجله الموت (٣) فيبقى ذنبه غير مكفر ، فجعل الله له التفريق (٤) في المساكين ؛ تيسيرا عليه وتمكينا من الخروج الذي ركبه ، لا لفوت معنى ما له التكفير ، فلذلك يجوز على ما ذكرت ، وهذا الوجه يوجب منع الجواز في يوم واحد ، والله أعلم.
وبعد : فإنه متى أطعم مسكينا بقى عليه خطاب إطعام تسعة ، وذلك لو ابتدأ الخطاب بتسعة مما يتضمنه الخطاب ، فكذلك إذا كان بعد إسقاط الواحد من الخطاب ، والله أعلم.
ثم لو كان العدد شرطا لكان بوجود معنى العدد في الواحد إسقاطه ؛ إذ ذلك في موضع التكفير والتطهير (٥) ، وكل ذلك يتعلق بالمعاني مما ذكر فيها من الأعداد نحو الغسل من الأحداث (٦) ـ كالجنابة ـ (٧) والأنجاس (٨) ، فمثله الكفارة.
__________________
(١) في ب : إذ.
(٢) سقط من ب.
(٣) في ب : المنية.
(٤) في أ : التكفير.
(٥) في ب : التطمين.
(٦) الأحداث : جمع حدث ، وهو ما يوجب الوضوء والغسل ، أو كليهما ، أو بدلهما ، قصدا واتفاقا : ـ