والمودة ، على ذلك تجمّعهم في الابتداء ، لكن لما شربوا وأخذهم الشراب وقع بينهم العداوة والبغضاء ؛ فكان قصده إلى جمعهم في الابتداء على المحبة والمودة ما ظهر منه في العاقبة من إيقاع العداوة بينهم ، وتفريق جمعهم ، وهو كقوله ـ تعالى ـ : (يَدْعُوهُمْ إِلى عَذابِ السَّعِيرِ) [لقمان : ٢١] ولو دعاهم إلى عذاب السعير لكانوا لا يجيبونه (١) ، لكن دعاهم إلى العمل الذي يوجب لهم عذاب السعير ، فعلى ذلك هو يدعوهم إلى الاجتماع في الخمر والميسر إلى ما وجب ويوقع بينهم العداوة والبغضاء ، ففيه أن الأعمال ينظر فيها العواقب ؛ كما روي : «الأعمال بالخواتيم» (٢).
وفي الآية دليل تحريم الخمر ؛ لأنه قال : (رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ) والرجس حرام ؛ كقوله تعالى : (فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً) [الأنعام : ١٤٥] وما يدعو إليه الشيطان ـ أيضا ـ حرام ، وكذلك قوله : (قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ) [البقرة : ٢١٩] والحلال المباح لا إثم فيه ، ولا يسمّى رجسا ، وكذلك روي عن نبيّ الله صلىاللهعليهوسلم أنه قام (٣) ، فخطب الناس ، فقال : «يا أيّها النّاس ، إنّ الله يعرّض على الخمر تعريضا ، لا أدري لعلّه سينزل فيها» ثم قال : «يا أهل المدينة ، إنّ الله قد أنزل تحريم الخمر ، فمن كتب هذه الآية وعنده منها شيء فلا يشربها ، ولا يبعها» قال : فسكبوها في طريق المدينة (٤).
وعن عمر ـ رضي الله عنه ـ قال (٥) : لما نزل تحريم الخمر قال : «اللهم بين لنا في الخمر بيان شفاء» ؛ فنزلت الآية التي في البقرة : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ) [البقرة : ٢١٩] فقرئت عليه ؛ فقال عمر ـ رضي الله عنه ـ : «اللهم بين لنا في الخمر بيان شفاء» ؛ فنزلت الآية التي في النساء : (لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى) [النساء : ٤٣] فكان منادي رسول الله صلىاللهعليهوسلم إذا قام إلى الصلاة قال : «لا يقرب الصلاة سكران» فدعي عمر ـ رضي الله عنه ـ فقرئت عليه ؛ فقال : «اللهم بين لنا في الخمر بيان شفاء». فنزلت الآية التي في المائدة : (إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ) فدعي عمر ـ
__________________
(١) في ب : يجيبون.
(٢) أخرجه البخاري (١٣ / ٣٣٨) كتاب القدر : باب (٦٦٠٧) من حديث سهل بن سعد مرفوعا : «إن العبد ليعمل عمل أهل النار وإنه من أهل الجنة ، ويعمل عمل أهل الجنة وإنه من أهل النار ، وإنما الأعمال بالخواتيم» ، والحديث فيه قصة.
(٣) في أ : قال.
(٤) أخرجه مسلم (٣ / ١٢٠٥) كتاب المساقاة : باب تحريم بيع الخمر ، حديث (٦٧ / ١٥٧٨) من حديث أبي سعيد الخدري.
(٥) في ب : قال عمر.