السّقاء» (١).
وقال بعض الناس : ما قتل المحرم من السباع التي لا يؤكل لحمها (٢) ؛ فلا فدية عليه ؛ فكان تاركا لظاهر الآية ، وهو قوله ـ تعالى ـ : (لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ). فإن احتج بحديث ابن عمر ـ رضي الله عنه ـ أن النبي صلىاللهعليهوسلم رخص للمحرم في قتل خمس من الدواب ، وذلك ما لا يؤكل لحمه ـ قيل : أباح النبي صلىاللهعليهوسلم قتل الخمس ؛ لعلة : أنه لا يؤكل لحمها. فإن قال : نعم ـ قيل : ما الدليل على ذلك؟ فإن قال : لأنها لا تؤكل ؛ فكل ما لا يؤكل من الصيد فقتله مباح ؛ فيقال له : قولك : «لا يؤكل» ليس بعلة ؛ لأن ذلك لا يزول ولا يتغير ، والعلة هي التي تحدث في وقت وتزول في وقت ، ولو كان قول القائل : «لا يؤكل» ، علة فيما لا يؤكل ـ كان قوله : «يؤكل» ، علة فيما يؤكل ، وكان الشيء علة لنفسه (٣). وهذا بين الخطأ ، وإذا لم يكن تحريم أكل الخمسة التي أذن النبي صلىاللهعليهوسلم في قتلها للمحرم علة في إطلاق قتلها ، ما كان القياس (٤) عليها على ما لا يحل أكله مخطئا ؛ لأن القياس إنما يكون على العلل ، وما لا علة فيه لا يجوز القياس عليه.
وعندنا : أن هذه الخمسة المسماة تبتدئ المحرم وغيره بالأذى ، وإن لم يبتدئها المحرم ، وما سوى ذلك مما لا يؤكل لحمه ـ لا يكاد يبتدئ بالأذى حتى يبتدئها الإنسان ؛ فحينئذ تعرض له.
وبيان ذلك : أن الحدأة ربما أغارت على اللحم تراه في يدي الرجل ، والغراب يسقط على وبر الدواب فيفسده ، والعقرب تقصد من تلدغه ، وتتبع حسّه ، والكلب العقور لا يكاد يهرب من الناس كما يهرب السباع سواه.
فأما الضبع والخنزير والكلب والذئب وأشباهها فهي تهرب من بني آدم ، ولا تكاد تؤذيهم حتى يبدءوها بالأذى ؛ [لذا] جعلنا العلة فيما رخص النبي صلىاللهعليهوسلم للمحرم في قتله : ما يعرف من قصدها لأذى المحرم وإن لم يؤذها المحرم ؛ إذ كان ذلك معروفا فيها ، معلوما
__________________
(١) لم أجده بهذا اللفظ ، ولكن أخرج البخاري (٦ / ٥١١ ـ ٥١٢) كتاب بدء الخلق : باب إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه (٣٣١٦) ، من حديث جابر بن عبد الله مرفوعا : «خمروا الآنية ، وأوكوا الأسقية ، وأجيفوا الأبواب ، وأكفئوا صبيانكم عند المساء ؛ فإن للجن انتشارا وخطفة ، وأطفئوا المصابيح عند الرقاد ؛ فإن الفويسقة ربما اجترت الفتيلة فأحرقت أهل البيت».
قال الحافظ ابن حجر : الفويسقة : هي الفأرة.
(٢) في الأصول : لحمه.
(٣) في الأصول : لنفسها.
(٤) في ب : القائس.