أنه أكثر (١) شأنها ؛ فلما لم يكن في سائر الطير المحرمة والسباع هذه العلة ، وكان المعروف فيها أنها لا تبتدئ بالأذى ـ لم يجز أن تشبه بالخمسة المسماة في الخبر ، فإذا ابتدأ منها مبتدئ المحرم بالأذى ؛ كان حينئذ مثل الخمسة ؛ فجاز له قتلها بغير فدية.
وبعد : فإن الذي لا يؤكل لحمه يسمى : صيدا ، والصيادون يصيدونه ؛ فكان داخلا تحت عموم الخطاب ، ومخالفنا تارك لأصله في العموم ؛ لأنه خص الآية بغير دليل ، ومن أصله أن الآية على العموم ، [و](٢) لا تخص إلا بدليل ، وأصحابنا ـ رحمهمالله ـ يجعلون الصيد كله محظورا أكل أو لم يؤكل إلا ما عدا منها ، فإن قتله قبل أن يعدو عليه لزمه الفداء ؛ ذهبوا في ذلك :
إلى ما روي في الخبر : [خبر](٣) أبي سعيد ـ رضي الله عنه ـ عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «يقتل المحرم كذا وكذا والسّبع العادي» (٤) ، فالعادي : ما يعدو على المحرم.
وإلى ما روي عن علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ (٥) وغيره ، مع ما روي عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه جعل على المحرم قتل ضبعا ـ جزاءه (٦) ، وكذلك روي عن عمر وابن عباس وابن عمر (٧) ـ رضي الله عنهم ـ وهي مما يؤكل.
__________________
(١) في ب : أكبر.
(٢) سقط من ب.
(٣) سقط من ب.
(٤) تقدم قريبا.
(٥) أخرجه عبد الرزاق (٤ / ٤٠٣) ، رقم (٨٢٢٣) ، وابن أبي شيبة (٣ / ٢٥٥) ، رقم (١٣٩٦٣) من طريق مجاهد أن عليا جعل الضبع صيدا ، وحكم فيها كبشا ، وهذا لفظ عبد الرزاق.
(٦) أخرجه الشافعي في المسند (١ / رقم ٨٥٤) ، ومن طريقه البيهقي في السنن (٥ / ١٨٣) ، وأخرجه عبد الرزاق (٨٢٢٦) عن عكرمة مولى ابن عباس يقول في الضبع : أنزلها رسول الله صلىاللهعليهوسلم صيدا ، وقضى فيها كبشا نجديا.
قال الشافعي : وهذا حديث لا يثبت مثله لو انفرد.
ثم قال البيهقي : وإنما قاله ؛ لانقطاعه. ا ه.
قلت : وينظر حديث جابر الآتى.
(٧) أما أثر عمر : فأخرجه عبد الرزاق (٤ / ٤٠٣) ، رقم (٨٢٢٤) ، والشافعي (٨٥٧٨) ، والبيهقي (٥ / ١٨٤) من طريق أبي الزبير عن جابر عن عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ أنه قضى في الضبع يصيبها المحرم : بكبش ، وفي الظبي : بشاة ، وفي الأرنب : بعناق ، وفي اليربوع بجفرة.
وأبو الزبير مدلس ، لكنه رواه عنه الليث بن سعد عند البيهقي ، وهو لا يروى عنه إلا ما صرح فيه بالتحديث.
وأما أثر ابن عباس : فأخرجه عبد الرزاق (٤ / ٤٠٣) ، رقم (٨٢٢٥) ، والشافعي (١ / رقم ٨٥٣) ، ومن طريقه البيهقي (٤ / ١٨٤).