فلم كانتا أولى بالنقصان كله من غيرهما؟
وسائر الصحابة أدخلوا النقصان على كل وارث بقدر نصيبه ؛ لئلا يلحق النقصان على بعض ، ويأخذ البقية كمال نصيبهم ، وجعلوا ذلك كقوم أوصى لهم رجل بوصايا تتجاوز الثلث إذا جمعت ؛ فالحكم أن يقسم الثلث بينهم بالحصص ، وكقوم صح لهم دين على ميت ، وتركته لا تفي بذلك ؛ فهم جميعا أسوة : يلحق كل واحد منهم النقصان بقدر حصته.
وأما الردّ : فإن عليّا ـ رضي الله عنه ـ وعبد الله ـ رضي الله عنه ـ قالا به ، على اختلافهما فيمن يرد عليه ، وسبيل ذلك سبيل ذوي الأرحام ؛ لأن ذا الرحم بباقي المال أولى من الأجنبيين ؛ بقول الله ـ سبحانه وتعالى ـ : (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ) ؛ فمن لا رحم له فلا حق له غير سهمه.
وليس في الزوج والزوجة خلاف بين أهل العلم أنه لا يرد عليهما ، ولأن في الآية دليل الرد على غير الزوجين من أهل السهام ومنع الرد عليهما ؛ لأنه ـ عزوجل ـ ذكر للأبوين السدسين إذا كان له ولد ، وسمى للأم الثلث إذا لم يكن له ولد ، ولم يسم للأب شيئا ؛ فيرد الباقي عليه ، وكذلك سمى للذكور من الأولاد مع الإناث نصيبا بقوله : (يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) ، ولم يسم لهم شيئا في حال الانفراد ؛ فيرد الكل عليهم ، ولم يترك للزوجين ذكر تسمية سهامهما في حال ؛ بل ذكر سهامهما (١) في الأحوال كلها في حال الولد ، وفي حال الذي لا ولد له ؛ فلذلك منع دليل الرد عليهما.
وقوله ـ عزوجل ـ : (غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللهِ) ومرة : (فَرِيضَةً مِنَ اللهِ) ؛ حتى يعلم أنهما واحد.
ثم ذكر المضارة في ميراث الإخوة والأخوات ، ولم يذكر في الولد والوالد والزوج والزوجة ؛ فهو ـ والله أعلم ـ يحتمل وجهين :
يحتمل : أنه ذكر في هذا أنه بهم ختم المواريث ؛ فتكون تلك المضارة كانت كالمذكورة في الأولاد ، أو الوالدين والأزواج ؛ إذ بذلك ختم.
ويحتمل : أنه ذكر هاهنا المضارة ولم يذكر فيما ذكرنا ؛ لما في الطبع يقصد الرجل إلى مضارة الأخ والأخت ومن بعد منه ، ولا يقصد في المتعارف إلى مضارة الآباء والأولاد ومن ذكرنا ، فإذا جاء النهي في مضارة من يقصد في الطبع ـ بقصد الرجل ـ مضارته ؛ فلان ينهي عنها فيما لا يقصد بالطبع أحق.
__________________
(١) في ب : سهامها.