وروي في خبر آخر أنه سئل النبي صلىاللهعليهوسلم عن محرم أتى بلحم صيد؟ قال : «لا تأكل منه» (١) لكن هذا الحديث يجوز أن يحمل على أن كان صيد بعد أن أحرم [أو] أن يكون صيد من أجله ، وإذا صيد من أجله لم يحل له أكله ؛ دليله من خبر عثمان ـ رضي الله عنه ـ : «ما أمرت بصيد ، ولا صيد من أجلي» ، وخبر جابر ـ رضي الله عنه ـ عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «لحم صيد البرّ حلال لكم وأنتم حرم ما لم تصيدوه أو يصد لكم» (٢).
ثم المسألة في معرفة صيد البر من البحر : قال بعضهم : ما كان يعيش في البر والبحر فلا تصيدوه ، وما كان حياته في الماء فذاك البحري.
وقال آخرون : أكثر ما يكون [في الماء حتى يفرخ](٣).
وقال غيرهم : صيد البر هو الذي إن أخذه الصائد حيّا فمات في يده لم يحل ، ولا يحل إذا أدرك زكاته إلا بتزكيته (٤) ، فكل ما كانت هذه صفته فهو [صيد البر](٥) ، وإن كان [قد](٦) يعيش في الماء.
وما كان الصائد إذا أخذه حيّا وهو يعيش في الماء فمات في يده أكله ، فذلك صيد البحر ، وذلك السمك.
وفي ذلك وجه آخر : وهو أن كل ما ألقاه البحر وقذفه فمات فحل لنا أكله ، فذلك طعامه ، وإن لم يحل أكله فليس بطعامه ، فما كان طعامه و (٧) ألقاه فمات فهو إذن صيد البحر ، وما لا يحل أكله إذا ألقاه ، فليس بصيد البحر إذا صيد ؛ لأن الله أباح صيد البحر وطعامه ، فما ليس بطعامه إذا ألقاه فمات فليس بصيد إذا أخذ حيّا ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَاتَّقُوا اللهَ) في استحلال قتل الصيد في الحرم ، أو اتقوا الله في أخذ الصيد في حال الإحرام بعد النهي ، أو اتقوا الله في كل ما لا يحل (الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) فتجزون بأعمالكم : إن خيرا فخير ، وإن شرّا فشر.
ويحتمل قوله : (إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) ، أي : إلى حكمه تصيرون ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) [القصص : ٨٨] ، والله أعلم. والله أعلم. وقوله ـ عزوجل ـ : (جَعَلَ اللهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ قِياماً لِلنَّاسِ ...) الآية : اختلف فيه : قال بعضهم قوله ـ تعالى ـ : (قِياماً
__________________
(١) تقدم.
(٢) تقدم.
(٣) في ب : حين يخرج.
(٤) في ب : بتزكية.
(٥) في أ : البري.
(٦) سقط من ب.
(٧) في ب : أو.