(لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ) كأنه قال : إن القليل من الطيب خير من الكثير من الخبيث ، والله أعلم.
والثاني : أنهم رغبوا في عبادة أولئك من الترهب والاعتزال عن الناس ؛ لدفع أذى أنفسهم عنهم ، وكثرة ما كانوا يتحملون (١) من الشدائد والمشقة ؛ فرغبوا في ذلك ، وهموا على ذلك ، على ما ذكر في القصة عن بعض أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم : أنهم هموا أن يترهبوا ويعتزلوا من الناس (٢) ؛ فقال : (قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ) أن العمل القليل مع أصل طيب خير من الكثير مع خبث الأصل.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَاتَّقُوا اللهَ) في مخالفة أمره ونهيه (يا أُولِي الْأَلْبابِ) فيه دلالة أن الله لا يخاطب أحدا إلا من كمل عقله وتم ، وبالله العصمة.
وقوله ـ عزوجل ـ : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ)(٣) يحتمل : أن يكون النهي عن السؤال عن أشياء خرج عن أسئلة كانت منهم لم يكن لهم حاجة إليها ؛ فنهوا عن ذلك إلى أن يقع لهم الحاجة فعند ذلك يسألون ، كأنهم سألوه عن البيان والإيضاح لهم قبل أن يحتاجوا إليه ؛ ألا ترى أنه قال : (وَإِنْ تَسْئَلُوا عَنْها حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ ...) الآية.
ويحتمل : أن يكون خرج النهي عن السؤال ابتداء ، على غير تقدم سؤال كان منهم ، ولكن نهوا عن السؤال عنها.
ثم يحتمل بعد هذا : أن كان منهم على ابتداء سؤال ، كان من أهل النفاق يسألون سؤال تعنت لا سؤال استرشاد ، يسألون منه آيات بعد ما ظهرت لهم ، وثبت عندهم الحجج ، وعرفوا أنه رسول الله صلىاللهعليهوسلم. وإن كان النهي للمؤمنين فهو ما ذكرنا من سؤال البيان قبل وقوع الحاجة إليه.
__________________
(١) في ب : يعملون.
(٢) للحديث شاهد عن عثمان بن مظعون ، أخرجه كل من : البيهقي في شعب الإيمان (٧ / ١٣٧) (٩٧٦١) ، والطبراني في الكبير (٦ / ٦٢) (٥٥١٩) ، وذكره العجلوني في كشف الخفا ، وعزاه للبيهقي عن سعد بن أبي وقاص ، والبيهقي كما في مجمع الزوائد (٤ / ٢٥٥) ، وعزاه للطبرانى عن عثمان بن مظعون ، وقال : وفيه إبراهيم بن زكريا وهو ضعيف.
(٣) قال القاسمي (٦ / ٣٨٦) : قال الحافظ ابن حجر في : الفتح : والحاصل أنها نزلت بسبب كثرة المسائل. إما على سبيل الاستهزاء أو الامتحان ، وإما على سبيل التعنت عن الشيء الذي لو لم يسأل عنه لكان على الإباحة.
قال ابن كثير : ظاهر الآية النهي عن السؤال عن الأشياء التي إذا علم بها الشخص ساءته. فالأولى الإعراض عنها وتركها.