الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ)(١٠٨)
وقوله ـ عزوجل ـ : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ ...) الآية.
اختلف فيه :
عن قتادة قال : رجل مات بقرية من الأرض وترك تركة ، وأوصى وصية ، وأشهد على وصيته رجلين ، فإن اتهما في شهادتهما استحلفا بعد صلاة العصر ، وكان يقال : عندها تصبر الأيمان.
(فَإِنْ عُثِرَ) ، أي : اطلع منهما على خيانة (١) على أنهما كتما أو كذبا ، وشهد رجلان أعدل منهما بخلاف ما قالا ، أجيزت شهادتهما ، وأبطلت شهادة الأولين.
(اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ) من المسلمين ، (أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ) من أهل الكتاب إذا كان ببلد لا يجد إلا هؤلاء (٢).
وعن الحسن قال : (اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ) : أي : من عشيرتكم ، أو آخران من غير عشيرتكم (٣) ، فيقول : إن الحق على المسلم إذا أراد أن يوصي أن يسند الوصاية إلى أهل عشيرته ، وكذلك يشهد على ذلك من أهل عشيرته ؛ لأن أهل عشيرته أحفظ لذلك ، وأحوط ، وأكثر عناية ، وأقوم للشهادة ، ولا كذلك الأجنبيان.
فإن قال قائل : خاطب الله ـ عزوجل ـ المؤمنين جملة بقوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ) الآية ، فكيف يحتمل أن يكون قوله : (أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ) من غير عشيرتكم ، وكيف لا؟ انصرف قوله : أو آخران من غيركم من غير دينكم؟ فنقول سبحان الله!! ما أعظم هذا القول!! يرد (٤) شهادة موحد ، مخلص دينه لله لفسق يرتكبه ، ويأمر بقبول شهادة كافر ، كاذب ، قائل لله بالولد والشريك ، هذا مما لا يحتمل.
وقال ـ أيضا ـ : (تَحْبِسُونَهُما مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ)(٥) وهم كانوا يستهزءون بالصلاة إذا نودي
__________________
(١) في ب : خيانته.
(٢) قال بنحوه ابن عباس ، أخرجه عنه الطبري (٥ / ١٠٩) رقم (١٢٩٥٠) ، وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس كما في الدر المنثور (٢ / ٦٠٣).
قال الرازي : وهو قول ابن عباس ، وأبي موسى الأشعري ، وسعيد بن جبير ، وسعيد بن المسيب ، وشريح ، ومجاهد ، وابن سيرين ، وابن جريج. ينظر : مفاتيح الغيب (١٢ / ٩٥ ـ ٩٦).
(٣) أخرجه الطبري (٥ / ١٠٦) برقمى (١٢٩٣٦ ، ١٢٩٣٨).
(٤) في ب : برد.
(٥) قال القاسمي (٦ / ٤٢١) : ذهب الجمهور إلى وجوب التغليظ بالزمان والمكان. فأما الزمان فبعد العصر. وأما في المكان : ففي المدينة عند المنبر ، وبمكة بين الركن والمقام ، وفي بيت المقدس ـ