لها بقوله : (وَإِذا نادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوها هُزُواً وَلَعِباً) [المائدة : ٥٨] دل أنه لا يحتمل ما ذكروا.
وعن سعيد بن جبير في قوله : (أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ) قال : إذا حضر المسلم الموت في السفر فلم يجد مسلمين ، فأوصى إلى أهل الكتاب ، فإن جاءوا بتركته فاتهموا حلف هؤلاء أن متاعه كذا وكذا وأخذوه (١).
وبعض الناس يجيزون شهادة النصارى واليهود في السفر في الوصية بظاهر الآية (٢).
وقال مجاهد : (أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ) : من غير ملتكم (٣).
وعن عامر الشعبي قال : شهد نصرانيان على وصية مسلم مات عندهم ، فارتاب أهل الوصية ، فأتوا بهما إلى أبي موسى [الأشعري](٤) ، فاستحلفهما بعد صلاة العصر بالله ما
__________________
ـ عند الصخرة ، وبغيرهما بالمسجد الجامع. واتفقوا على أن ذلك في الدماء والمال الكثير ، لا في القليل.
(١) أخرجه الطبري (٥ / ١١٣) ، رقم (١٢٩٦٣).
(٢) أما شهادة الكفار من أهل الكتاب في وصية المسلم في السفر إذا لم يكن غيرهم ـ فجائزة عند أحمد وابن المنذر وشريح والنخعي والأوزاعي ، وقضى بذلك ابن مسعود وأبو موسى ، رضي الله عنهما. وقال أبو حنيفة ومالك والشافعي : لا تقبل ؛ لأن من لا تقبل شهادته على غير الوصية ـ لا تقبل في الوصية ؛ كالفاسق. ولأن الفاسق لا تقبل شهادته ؛ فالكافر أولى. واختلفوا في تأويل الآية (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ)[المائدة : ١٠٦] : فمنهم من حمل على التحمل دون الأداء. ومنهم من قال : المراد بقوله ـ تعالى ـ : (مِنْ غَيْرِكُمْ) ، أي : من غير عشيرتكم. ومنهم من قال : الشهادة في الآية اليمين.
واستدل القابلون بالآية : (أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ)[المائدة : ١٠٦] ، وردوا على المانعين ، فقالوا : إنه ليس في أول الآية خطاب لقبيلة دون قبيلة حتى يكون المراد : (مِنْ غَيْرِكُمْ) ، يعني : غير قبيلتكم ؛ وإنما الخطاب عام لجميع المؤمنين ، وغير المؤمنين هم الكفار.
وكذلك ردوا على من قال : إن المراد بالشهادة : هو اليمين ، قالوا : إن الآية فيها (اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ)[المائدة : ١٠٦] ، واليمين لا تختص بالاثنين ، وأيضا : في الآية : (وَلا نَكْتُمُ شَهادَةَ اللهِ)[المائدة : ١٠٦] ، ولو كان المراد : اليمين ـ لكان المعنى : يحلفان بالله : لا نكتم اليمين ، وهذا لا معنى له البتة ؛ فإن اليمين لا تكتم ؛ فكيف يقال : احلف إنك لا تكتم حلفك؟!
ينظر : المغني لابن قدامة (١٢ / ٥٣) ، البحر الرائق (٧ / ١٠٢) ، مواهب الجليل (٦ / ١٥٠) ، أسنى المطالب (٤ / ٣٣٩).
(٣) أخرجه الطبري (٥ / ١٠٦) رقم (١٢٩٢٧) ، وأخرجه بنحوه عن ابن عباس وسعيد بن المسيب برقمي (١٢٩٢٥ ، ١٢٩٢٨).
(٤) عبد الله بن قيس بن سليم بن حضار بن حرب ، أبو موسى ، من بني الأشعر بن قحطان ، صحابي جليل ، من الولاة الفاتحين ، وأحد الحكمين اللذين رضي بهما على ومعاوية. ولد في «زبيدة» باليمن سنة ٢١ ق. ه ، وقدم مكة عند ظهور الإسلام ، وأسلم وهاجر إلى أرض الحبشة ، ثم استعمله رسول الله صلىاللهعليهوسلم على الزبيدة وعدن ، وولاه عمر البصرة سنة ١٧ ه ، وأقره عليها عثمان ، وعزله على. حدث عنه طارق بن شهاب ، وابن المسيب ، والأسود ، وأبو وائل ، وأبو عبد الرحمن السلمي. ـ