الوصية ؛ لأن الإقرار في المرض جوازه بحق الأمانة ؛ إذ يجوز جواز الشهادة ، والشهادة أمانة ، والوصية جوازها بحق الملك ؛ فإذا بطلت الوصية لوارثه فإقراره له في المرض أحق أن يبطل ؛ وعلى ذلك إذا كان عليه دين في الصحة ، فأقر بدين في المرض ؛ فغرماء الصحة أولى بدينهم من غرماء المرض ؛ لأن في ذلك إضرارا بغرماء الصحة ؛ لأن دينهم قد تعين في ماله ، وتحول من الذمة إلى التركة ؛ ألا ترى أنه ليس له أن يقضي غريما دون غريم! فإذا كان ما ذكرنا ـ لم يكن له قسمة المال بين غرماء الصحة وبين من أقر لهم بالدين في المرض ؛ إذ فيه الإضرار بهم ؛ إذ قد تعين حقهم ؛ فلا فرق أن يكسب الضرر على الوارث وبين أن يكسب الضرر على الغرماء.
وإذا باع شيئا بقيمته في المرض أو استقرض ؛ فإنه يجوز ويبدأ به ؛ لأنه يعمل للغرماء ؛ إذ يقضي ديونهم مما أخذ.
وإذا تزوج أو استأجر فيكون أسوة الغرماء ؛ لأنه لم يعمل لهم ، إنما يعمل لنفسه ، وليس فيه اكتساب الضرر على الغرماء ، فيكون أسوة ، ثم إذا أضر لم يجز ، ويرد ذلك الضرر ويفسخ.
فإن قيل : إن الرجل قد ينهي عن الإضرار في نفسه وماله ، ولو (١) فعل يجوز.
قيل : إن الإضرار إذا حصل في ملكه أو في نفسه ـ ينهي ويجوز ؛ لأنه لم يضر غيره ، وإذا حصل في ملك غيره لم يجز وردّ ، وهاهنا إنما حصل في ملك الورثة والغرماء ؛ لذلك بطل ، ولا يوصي بأكثر من الثلث ، ولا يوصي لوارث ، ولا يقر بحق ليس عليه مضارة للورثة.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَصِيَّةً مِنَ اللهِ)
يحتمل قوله تعالى : (وَصِيَّةً مِنَ اللهِ) ، أي : الذي نهي عن المضارة وصية.
ويحتمل : الذي فرض عليكم من المواريث ؛ وصية من الله وفريضة منه ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَاللهُ عَلِيمٌ)
بمن ضارّ الوارث ، وزاد على الثلث ، وبمن لم يضار
(حَلِيمٌ)
لا يعجل بالعقوبة على من ضار.
ويحتمل العليم والحليم أن يكونا سواء ؛ لأن ضد (حَلِيمٌ) سفيه ، وكذلك الحليم.
__________________
(١) في ب : وإن.