التشفع والتضرع إليه ؛ كأنه قال : إن خذلتهم فمن الذي ينصرهم ويدفع ذلك عنهم دونك ، وهم عبادك أذلاء؟! وإن أكرمتهم فمن الذي يمنعك عن إكرامهم؟! (١).
والثاني : إن تعذبهم فلك سلطان عليهم ، ولست أنت في تعذيبك إياهم جائرا ؛ لأنهم عبادك ؛ لأن الجور هو المجاوزة عن الحد الذي له إلى الحد الذي ليس له.
وقوله ـ عزوجل ـ : (قالَ اللهُ هذا).
قيل : «قال ...» بمعنى : «يقول الله يوم القيامة» (هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ) ، أي : اليوم ينفع الصادقين صدقهم في الدنيا ، وينفع صدق الصادق ـ أيضا ـ في الدنيا ؛ لأنه إذا عرف بالصدق قبل قوله ، وإن لم يظهر صدقه في قوله.
ثمّ اختلف في الصادقين من هم؟ : قال بعضهم : هم المؤمنون جملة ، أي : يومئذ ينفع إيمان المؤمنين ، وتوحيد الموحدين في الدنيا (٢) ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ) [الحديد : ١٩].
وقال بعضهم : الصادقون : هم الأنبياء ، عليهمالسلام (٣).
وقوله ـ عزوجل ـ : (لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ).
قد ذكرناه فيما تقدم.
(خالِدِينَ فِيها أَبَداً).
و «خالدين» و «أبدا» واحد ؛ لكنه يذكر على التأكيد.
وقوله ـ عزوجل ـ : (رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ).
لسعيهم (٤) في الدنيا.
(وَرَضُوا عَنْهُ).
بالثواب لسعيهم.
ويحتمل : (وَرَضُوا عَنْهُ) بما وفقهم على سعيهم المحمود في الدنيا (ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ).
لأنه ليس بعده خوف الهلاك ، ولا خوف الفوت ؛ فهو الفوز العظيم ، ليس كفوز الدنيا ؛
__________________
(١) أخرجه أحمد في المسند (٥ / ١٤٩) ، والنسائي في سننه (٢ / ١٧٧) في كتاب الافتتاح : باب ترديد الآية (١٠٠٩) ، وابن ماجه في سننه (٢ / ٤٧٩ ـ ٤٨٠) كتاب الصلاة : باب ما جاء في صلاة الليل (١٣٥٠) عن أبي ذر الغفاري ، وذكره السيوطي في الدر (٢ / ٦١٦) ، وزاد نسبته لابن أبي شيبة وابن مردويه والبيهقي في سننه عن أبي ذر.
(٢) ذكره السيوطي في الدر (٢ / ٦١٧) وعزاه لابن أبي حاتم وأبي الشيخ عن عبد الله بن عباس ، والبغوي بمعناه في تفسيره (٢ / ٨٢).
(٣) ذكره بمعناه البغوي في تفسيره (٢ / ٨٢) ، وابن عادل في اللباب (٧ / ٦٢٨).
(٤) في ب : بسعيهم.