هذا ـ أيضا ـ يحتمل وجهين :
يحتمل جهل الفعل ؛ فيقع فيه من غير قصد.
ويحتمل : قصد الفعل ، والجهل بموقع الفعل.
والعمل بجهالة يخرّج على وجوه : يكون عن غلبة : تغلب عليه شهوته ؛ فيعمل ذلك العمل على طمع منه أنه سيتوب من بعد ، ويصير رجلا صالحا ؛ على ما فعل إخوة يوسف ، حيث قالوا : (أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْماً صالِحِينَ) [يوسف : ٩] ثم سماهم جهلة بذلك في آية أخرى ، حيث قال لهم : (هَلْ عَلِمْتُمْ ما فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جاهِلُونَ) [يوسف : ٨٩].
ويحتمل العمل بالجهالة : هو أن يعمل على طمع المغفرة ، ويتكل على رحمة الله وكرمه.
ويحتمل العمل بالجهالة : جهالة عقوبة عمله على ذلك.
وكذلك الخطأ والنسيان على وجهين : خطأ الفعل : وهو الذي ليس بصواب ولا رشد.
وخطأ القصد عمد الفعل : وهو الذي قصد أحدا فأصاب غيره.
والنسيان على وجهين ـ أيضا ـ :
نسيان ترك : وهو الذي يجوز أن يضاف إلى الله ـ سبحانه وتعالى ـ بحال ؛ كذلك الجهالة ، والله أعلم.
والأصل في الشيء المنسي أنه متروك ، فسمي المتروك من الرحمة والكرامة منسيّا ؛ فتجوز الإضافة إلى الله ـ تعالى ـ من هذا الوجه.
وقيل : نزل قوله : (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ ...) الآية ـ في المؤمنين (١).
وقوله : (وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ ...)(٢) إلى آخر الآية ، في
__________________
ـ وقال عكرمة : أمور الدنيا كلها جهالة ؛ يريد الخاصة بها ـ الخارج عن طاعة الله. وهذا القول جار مع قوله ـ تعالى ـ : (إِنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ) [محمد : ٣٦]. وقال الزجاج : يعني قوله «بجهالة» اختيارهم اللذة الفانية على اللذة الباقية. وقيل : «بجهالة» أي لا يعلمون كنه العقوبة ؛ ذكره ابن فورك. قال ابن عطية : وضعف قوله هذا ورد عليه.
(١) أخرجه ابن جرير (٨ / ١٠١) (٨٨١٦) عن سفيان الثوري ، ينظر : البحر المحيط لأبي حيان (٣ / ٢١١).
(٢) قال القرطبي (٥ / ٦٢) : نفى ـ سبحانه ـ أن يدخل في حكم التائبين من حضره الموت وصار في حين اليأس ؛ كما كان فرعون حين صار في غمرة الماء والغرق فلم ينفعه ما أظهر من الإيمان ؛ لأن التوبة في ذلك الوقت لا تنفع ، لأنها حال زوال التكليف. وبهذا قال ابن عباس وابن زيد وجمهور المفسرين. وأما الكفار يموتون على كفرهم فلا توبة لهم في الآخرة ، وإليهم الإشارة بقوله ـ