يقول : «الجرعة تحرّم كما يحرّم حولان كاملان» (١) فإن ثبت هذا فهو الأصل في ذلك ، والمعتمد عليه ، فإن عورض بما في خبر سالم (٢) ، حيث قال لها رسول الله صلىاللهعليهوسلم «أرضعي سالما خمس رضعات تحرمى عليه» (٣) قيل : هذا يحتمل وجهين :
يحتمل : أن يكون ذلك لسالم خاصة دون غيره من الناس ، فإذا كان كذلك لا يقاس عليه غيره.
ويحتمل : أن يكون منسوخا بما روينا من الأخبار المرفوعة والموقوفة بإيجاب الحرمة بالقليل منه والكثير.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ وَرَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ ...) الآية.
اجتمع أهل العلم في «الربيبة» على أنها لا تحرم على الرجل الذي كان تزوج أمها وطلقها قبل الدخول بها أو ماتت ، وإنما تحرم عليه إذا دخل بها.
واختلف في أم المرأة إذا لم يدخل بالابنة (٤) حتى بانت منه :
قال أصحابنا ـ رحمهمالله ـ : هي حرام عليه ، كان دخل بالأم أو لم يدخل بها.
وقال آخرون : شرط الدخول في آخر القصة راجع إلى الربيبة والأم جميعا ، فما لم يدخل بواحدة منهما حل له أن يتزوج بالأخرى إذا فارقها ، وهو القياس الظاهر في الكتاب في أمر الشرط والثنيا أن يكون الشرط فيهما جميعا ؛ لأنه قال ـ تعالى ـ : (وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ وَرَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَ) ذكر أمهات النساء وربائب النساء ، ثم شرط الدخول بهن ، فيجب (٥) أن يكون الشرط لا حقا بهما جميعا.
__________________
(١) وروى ابن أبي شيبة عن على أنه قال : لا يحرم من الرضاع إلا ما كان في الحولين.
ينظر : الدر المنثور (٢ / ٢٤١).
(٢) هو سالم مولى أبي حذيفة ، ابن عتبة بن ربيعة أحد السابقين الأولين ، ومولاته امرأة من الأنصار ، يقال لها ليلى ، وكانت امرأة أبي حذيفة. وقصته في الرضاعة مشهورة.
تنظر ترجمته في : الإصابة : ترجمة (٣٠٥٩) ، أسد الغابة : ترجمة (١٨٩٢) ، الاستيعاب : ترجمة (٨٨٦).
(٣) أخرجه مسلم في صحيحه (٢ / ١٠٧٦) في الرضاع : باب رضاعة الكبير (١٤٥٣) ، وأحمد في المسند (٦ / ٣٨) ، وابن ماجه في سننه (٣ / ٣٧٢) في النكاح : باب رضاع الكبير (١٩٤٣) ، والنسائي في المجتبي (٦ / ١٠٤ ـ ١٠٦) كتاب النكاح : باب إرضاع الكبير ، ولفظ الحديث عن عائشة ؛ قالت : جاءت سهلة بنت سهيل إلى النبي صلىاللهعليهوسلم فقالت : يا رسول الله! إنى أرى في وجه أبي حذيفة الكراهية من دخول سالم علىّ فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : «أرضعيه» ، قالت : كيف أرضعه وهو رجل كبير؟ فتبسم رسول الله صلىاللهعليهوسلم وقال : «قد علمت أنه رجل كبير». ففعلت. فأتت النبي صلىاللهعليهوسلم فقالت : ما رأيت في وجه حذيفة شيئا أكرهه بعد. وكان شهد بدرا.
(٤) في ب : بالبنت.
(٥) في ب : فيجىء.