وقوله : (فَما تَسْتَطِيعُونَ صَرْفاً وَلا نَصْراً) : هذا يحتمل وجوها :
أحدها : أي : ما يستطيع أولئك الكفرة صرف قول من عبدوهم وتكذيبهم حين كذبوهم في قولهم.
(وَلا نَصْراً) أي : ولا استطاعوا الانتصار منهم حين كذبوهم ؛ وعلى ذلك يخرج قراءة من قرأه بالتاء : فما تستطيعون صرفا ولا نصرا.
و [الثاني :] يحتمل : فما يستطعون أولئك المعبودون صرف عذاب الله ونقمته عنكم ، ولا كانوا لهم نصراء ؛ لأنهم قالوا : (هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللهِ) [يونس : ١٨] ، و (ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى) [الزمر : ٣].
والثالث : (فَما تَسْتَطِيعُونَ صَرْفاً) أي : فداء ، (وَلا نَصْراً) أي : لا يقبل منهم الفداء ، ولا كان لهم ناصر ينصرهم في دفع العذاب عنهم ؛ كقوله : (وَلا يُقْبَلُ مِنْها عَدْلٌ وَلا تَنْفَعُها شَفاعَةٌ).
وقال القتبي (١) وأبو عوسجة : قال بعضهم : الصرف : النافلة ، سميت صرفا لأنها زيادة على الواجب ، والعدل : الفريضة. وقد روي في الخبر : «من طلب صرف الحديث ليبتغي به إقبال وجوه الناس ، لم يرح رائحة الجنة» (٢) أي : من طلب تحسينه بالزيادة فيه.
وقال بعضهم : الصرف : الدية ، والعدل : رجل مثله ؛ كأنه يريد : لا يقبل منه أن يفتدي برجل مثله وعدله ، ولا يصرف عن نفسه بديته ، ومنه قيل : صارفي ، وصرف الدرهم بالدنانير ؛ لأنك تصرف هذا إلى هذا ، وأصله ما ذكرنا.
قال القتبي (٣) وأبو عبيدة : (قَوْماً بُوراً) ، أي : هلكى (٤) ، وهو من بار يبور ؛ إذا هلك وبطل ؛ يقال : بار الطعام ، إذا كسد ، وبارت الأيم ؛ إذا لم يرغب فيها ، وفي الخبر : «كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يتعوذ من بوار الأيم».
قال أبو عبيدة (٥) : يقال : رجل بور وقوم بور لا يثنى ولا يجمع.
__________________
(١) ينظر : تفسير غريب القرآن (٣١١).
(٢) أخرجه ابن ماجه (١ / ٢٣٤) ، في المقدمة باب : الانتفاع بالعلم والعمل به (٢٥٣) ، عن ابن عمر بلفظ :
«من طلب العلم ليماري به السفهاء أو ليباهي به العلماء أو ليصرف وجوه الناس إليه فهو في النار» وضعفه البوصيري في الزوائد.
(٣) ينظر : تفسير غريب القرآن ص (٣١١) ، ومجاز القرآن (٢ / ٧٢).
(٤) قاله ابن عباس ومجاهد ، أخرجه ابن جرير عنهما (٢٦٢٩٩) و (٢٦٢٣٠) ، وانظر : الدر المنثور (٥ / ١١٩).
(٥) ينظر : مجاز القرآن (٢ / ٧٣).