جازت المخاطرة في العقول في دار الحرب فيما بينهم وبين أهل الحرب ، وإن كان مثلها في دار الإسلام غير جائز ، وهذا يدل لأبي حنيفة ـ رحمهالله ـ في إجازته عقد الربا في دار الحرب فيما بينهم وبين أهل الإسلام ، وإن كان مثله في دار الإسلام غير جائز.
والثاني : جاز ذلك يومئذ وإن كانت فيه جهالة أسنان الإبل ، والجهالة في العقود إنما تبطل العقود ، لخوف وقوع التنازع بينهم في الدين ، فأما في الأموال فقلما يقع ؛ لما ذكرنا.
ومنهم من يقول : كان جائزا ذلك في الجاهلية ، فأمّا اليوم فقد جاء النهي عن القمار فنسخه ، وإنما عرف النهي عن الميسر ، والميسر هو القمار ؛ فيكون النهي عن الشيء نهيا عما هو في معناه ، والله أعلم.
وقوله : (لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ).
قال بعضهم (١) : (لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ) غلبة فارس الروم (وَمِنْ بَعْدُ) غلبة الروم فارس.
ويقال : (لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ) حين ظهرت فارس على الروم (وَمِنْ بَعْدُ) ما ظهرت الروم على فارس.
وجائز أن يكون قوله : (لِلَّهِ الْأَمْرُ) في خلقه ؛ أي : التدبير فيه ، وله الأمر فيهم ؛ أي : ليس لأحد في الخلق أمر ولا تدبير ، وإنما ذلك له ؛ كقوله : (أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ) : له التدبير فيهم والأمر.
وفي قراءة من قرأ (غُلِبَتِ الرُّومُ) بالنصب (٢) يكون قوله : (وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ) حين تظاهر عليهم المسلمون في آخر الزمان حين تفتح قسطنطينية.
وفي حرف ابن مسعود وحفصة : في بعض سنين قريبا.
وقوله : (وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ* بِنَصْرِ اللهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشاءُ) فرح المؤمنين بنصر الله حيث نصر رسوله بإظهار الآية له في إثبات الرسالة والنبوة وصدقه ، وذلك النصر له ، وما يقول بعض أهل التأويل : نصر الروم على فارس ـ بعيد ؛ لأن ما كان الفعل فعل معصية لا يقال : نصر الله ، وإنما يقال ذلك فيما كان الفعل فعل طاعة ، والوجه فيه ما ذكرنا : أنه نصر رسوله بما ذكرنا.
وقوله : (وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) ذكر العزيز على إثر ما سبق ؛ لأنه عزيز بذاته ، فهلاك من هلك من عبيده لا يوجب وهنا ولا نقصا في ملكه وسلطانه ، ليس كهلاك بعض عبيد
__________________
(١) قاله ابن جريج ، أخرجه ابن جرير (٢٧٨٨٥).
(٢) ينظر : اللباب (١٥ / ٣٨٢).