قيل : لأقاموا ، وقيل (١) : لصاروا ، وقيل : لمالوا ، وكله يرجع إلى معنى واحد ، وهو ما تقدم ذكره من القنوط ، أي : يقنطون وييئسون من رحمته ، ويكفرون رب هذه النعم.
وفي حرف ابن مسعود : إنك لا تسمع الموتى إنك لا تبعث الموتى.
وقوله : (وَلَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ).
جائز أن يكون ما ذكر من ضرب المثل للكفار خاصة ، يقول : قد بينا لهم ما يعظهم ويزجرهم عما هم فيه ، ويدعوهم إلى الإيمان والتوحيد ، لكنهم اعتقدوا العناد والمكابرة.
وقوله : (وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ).
أي : لو جئتهم بالآية التي سألوك ـ أيضا ـ فلا يصدقوك ولا يقبلوا الهدى ، ويقولون ما ذكر :
(لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُبْطِلُونَ).
ويشبه أن يكون ما ذكر من ضرب المثل للفريقين جميعا للمؤمن والكافر ، ويكون التأويل ـ والله أعلم ـ : ولقد ضربنا وبينا للناس لأفعالهم وأحوالهم من القبيح والحسن مثلا وشبها ما يعرفون به قبح كل قبيح ، وحسن كل حسن ، وما بين لهم الحق من الباطل ، والعدل من الجور ؛ لأن أولئك الكفرة لم يعتبروا ولم يتأملوا ، ثم رجع إلى وصف أولئك الكفرة ، فقال : (وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ) ، أي : بزيادة في البيان والوضوح ، (لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُبْطِلُونَ) ، والله أعلم.
وقوله : (كَذلِكَ يَطْبَعُ اللهُ عَلى قُلُوبِ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ).
قد ذكرنا في غير موضع أن قوله : (لا يَعْلَمُونَ) يخرج على وجهين :
أحدهما : لم يعلموا ؛ لما لم يتأملوا ولم ينظروا في أسباب العلم لكي يعلموا ، ولا عذر لهم في جهلهم ذلك ؛ لما أعطوا أسباب العلم ، لكنهم لم يستعملوها فمنهم جاء ذلك ؛ فلم يعذروا.
والثاني : نفى عنهم العلم على وجوده لهم وكونه ؛ لما لم ينتفعوا بما علموا ، على ما ذكرنا من نفي الحواس عنهم ، مع وجود تلك الحواس وكونها لهم ؛ لما لم ينتفعوا بها ولم يستعملوها فيما جعلت تلك وأنشئت لها ؛ فعلى ذلك العلم ، والله أعلم.
وقوله : (فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌ).
قال بعضهم : فاصبر على تكذيبهم إياك بالعذاب الذي وعدت لهم ؛ إن وعد الله حق
__________________
(١) قاله البغوي (٣ / ٤٨٧).