الذي كان منه في تلك الأهوال لم يعد إلى الكفر.
وقال بعضهم : (فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ) : الوسط.
العدل ، وهو ما ذكرنا ، والله أعلم.
وقوله : (وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ).
قيل (١) : الختار : الغدار.
وقال بعضهم (٢) : الختار : هو الذي بلغ في الغدر غايته ونهايته.
وقوله : (وَأَنَّ اللهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ) العلي يتوجه وجهين :
أحدهما : العلو : القهر والغلبة ؛ كقوله : (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ) ، أي : غلب وقهر ، وقوله : (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ) ؛ فعلى ذلك يشبه أن يكون قوله : (الْعَلِيُ) أي : القاهر الغالب.
والثاني : أن يكون العلو : الارتفاع ؛ فإن كان الارتفاع ، فهو يرتفع ويتعالى عن أن يحتمل [ما يحتمل] الخلق من التغير والزوال وغير ذلك مما يحتمل الخلق ، ارتفع وتعالى عن احتمال ما يحتمل الخلق.
والكبير ، أي : تكبر من أن يلحقه شيء مما يلحق الخلق ، والله أعلم.
وقوله : (يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ).
يحتمل : (اتَّقُوا رَبَّكُمْ) في الجهة التي له عليكم ، وأوفوا له ذلك.
أو اتقوا مخالفة ربكم ومعصيته.
أو اتقوا نقمة ربكم وعذابه.
لكنه يختلف الأمر بالاتقاء في المؤمن والكافر : يكون للكافر : اتقوا الشرك وعبادة غير الله ، وفي المؤمن : اتقوا مخالفة الله في جميع ما يأمركم وينهاكم ، واتقوا عبادة غير الله أو الشرك في حادث الوقت.
وقوله : (وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جازٍ عَنْ والِدِهِ شَيْئاً).
يذكر هذا على الإياس وقطع طمع بعضهم عن بعض : بالوصلة التي كانت بينهم في الدنيا ، والمنافع التي كان ينفع بعضهم بعضا في الدنيا ، يخبر أن ذلك كله منقطع في الآخرة ؛ لهول ذلك اليوم ، واشتغال كل بنفسه ؛ حتى لا ينفع أحد صاحبه ، وخاصة ما ذكر
__________________
(١) قاله قتادة ، أخرجه ابن جرير (٢٨١٦٣) ، وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه ، كما في الدر المنثور (٥ / ٣٢٤) ، وهو قول مجاهد والحسن والضحاك وغيرهم.
(٢) قال البغوي في تفسيره (٣ / ٤٩٦) : الختر أسوأ الغدر.