من الولد لوالده والوالد لولده ، مما لا يحتمل قلب واحد منهما أن يلحق المكروه بالآخر ، ولا يصبر ألا يدفع ذلك عنه بكل ما به وسعه وطاقته ؛ للشفقة والمحبة التي جعلت فيهم.
ثم أخبر ألا ينفع أحدهما صاحبه ؛ لاشتغاله بنفسه ، وعلى ذلك روي عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «كل نسب وسبب فهو منقطع ، إلا نسبي وسببي» (١) ، ونسبه : دينه الذي دعانا إليه وعلمناه ، وسببه : شفاعته يوم القيامة ، فذلك كله منقطع إلا هذين ؛ فإنه من تمسك بدينه فإنه يشفع [له] يوم القيامة فيما قصر وفرط ، فأما من لم يقبل دينه ، ولم يجبه إلى ما دعاه ـ فإنه ليس له واحد من هذين من الأسباب والأنساب ، منقطع ؛ كقوله : (وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ) [البقرة : ١٦١].
وقال بعضهم : قوله : (وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ) ، قال : هذه الآية في الكفار ؛ فأما المؤمنون فينفع الوالد ولده والولد والده في الآخرة : يدفع إلى ابنه بفضل عمله ، وكذلك الولد إلى أبيه ؛ كقوله : (آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً) [النساء : ١١] ، والله أعلم.
وقوله : (إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌ).
فيما ذكر من الإياس وقطع طمع بعضهم من بعض ، أو ما ذكر من قيام الساعة وكونها أنها تكون لا محالة ، أو في الثواب والعقاب.
وقوله : (فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا).
هذا يحتمل وجهين على التحقيق والتمثيل.
أما التحقيق : ألا تشغلنكم الحياة الدنيا ولذاتها ، ولا تلهينكم عن ذكر الله وعن الآخرة ، ولا تغتروا بها ؛ فإنها لعب ولهو ، على ما ذكر أنها لعب ولهو على ما هي عندكم ؛ لأنها عندهم أنها إنما أنشئت وخلقت لها لا للآخرة ، فالدنيا ـ على ما هي عندهم ـ لعب ولهو ، وأما على ما هي عندنا هى حق ليس بباطل ؛ لأنها أنشئت للآخرة وبلغة إليها.
وأما التمثيل : أضاف التغرير إليها ؛ لأن ما كان منها من التزيين والتحسين في الظاهر وإظهار بهجتها وسرورها ولذاتها لو كان ممن له التمييز والعقل والفهم وحقيقة التزيين والتحسين كان تغريرا ؛ فعلى ذلك ما كان منها على الظاهر فهو تغرير على التمثيل.
__________________
(١) أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى (٨ / ٣٣٩) ، والحاكم (٣ / ١٤٢) ، من حديث عمر بن الخطاب ، وقال الحاكم : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه فتعقبه قائلا : منقطع.
وله شاهد من حديث عبد الله بن الزبير أخرجه الطبراني كما في مجمع الزوائد (١٠ / ٢٠) ، وقاله الهيثمي : وفيه إبراهيم بن يزيد الخوزي وهو متروك.