أو أن يكون ما ذكر : ألا تغتروا بالحياة الدنيا وما فيها من لذاتها ، والله أعلم.
وقوله : (وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ).
قيل (١) : الغرور : الشيطان ، لا يغرنكم ، ويقول : إن الله كريم رحيم جواد ولا يعذبكم.
أو يقول : إن الله غني قادر لا يأمركم بأمر ولا ينهاكم ؛ إذ إنما يأمر وينهى في الشاهد من كان محتاجا ، فأما الغني فلا يأمر ، أو نحوه ، والله أعلم.
وقوله : (إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ).
ذكر في بعض الأخبار عن ابن عمر ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «مفاتيح الغيب خمس لا يعلمها إلا الله» (٢) ، وعدّ هذه الخمسة التي ذكرت في هذه الآية.
وكذلك روي أبو هريرة عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «خمس لا يعلمهن إلا الله ؛ [ثم تلا] قوله : (إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ)(٣) إلى آخر الآية». فإن ثبت هذا فهو ما ذكر ، ويرجع ذلك إلى معرفة حقيقة ما ذكر ؛ وإلا جائز أن يقال : إنه يعلم بعض هذه الأشياء بأعلام ؛ من نحو المطر أنه متى يمطر ، أو ما في الأرحام : أنه ولد وأنه ذكر أو أنثى ، وإن لم يعلم ماهية ما في الأرحام ؛ نحو ما يعلم المنجمة بذلك بالحساب وبأعلام ، يخرج ذلك على الصدق مما أخبروا ربما ؛ ألا ترى أن إبراهيم ـ صلوات الله عليه ـ قال : (إِنِّي سَقِيمٌ) [الصافات : ٨٩] لما نظر في النجوم ، أي : سأسقم. وروي أن أبا بكر الصديق ـ رضي الله عنه ـ قال : إني ألقي إلى أن ذا بطن بنت خارجة جارية ، وكان كما ذكر ؛ فلا يحتمل أبو بكر يعلم ذلك لما ألقي إليه ، ورسول الله لا يعلم الساعة ؛ فإنه لا يطلع عليها أحد ، إلا أن يقال بأن رسول الله لم يؤذن له بالتكلم والقول بشيء إلا من جهة الوحي من السماء ، فأما الاشتغال بمثله فلا ؛ لأن الاشتغال بمثله تضييع لكثير مما امتحن ، وترك لبعض ما يؤمر وينهى ، أو لما يخرج ذلك مخرج التطير والتفاؤل واكتساب الرزق على غير الجهة التي جعل وأبيح لهم ؛ فكان المنع لذلك ، والله أعلم.
__________________
(١) قاله ابن عباس ، أخرجه ابن المنذر وابن أبي حاتم عنه ، كما في الدر المنثور (٥ / ٣٢٥) ، وهو قول مجاهد وقتادة والضحاك.
(٢) أخرجه البخاري (٣ / ٢٢٠) ، كتاب الاستسقاء : باب لا يدري متى يجيء المطر إلا الله (١٠٣٩) ، وأحمد (٢ / ٢٤ ، ٥٨) ، وعبد بن حميد (٧٩١) ، والبغوي في شرح السنة (٢ / ٦٦١) ، وابن جرير (٢٨١٧٨).
(٣) أخرجه البخاري (٩ / ٤٦٦) كتاب التفسير : باب قوله : (إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ) (٤٧٧٧) ، ومسلم (١ / ٣٩) ، كتاب الإيمان : باب بيان الإيمان والإسلام والإحسان (٥ / ٩) ، وابن جرير (٢٨١٨٢).