ثم قوله : (إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ) يحتمل قوله : (عِلْمُ السَّاعَةِ) أي : وقت الساعة ، كقوله : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلَّا هُوَ) [الأعراف : ١٨٧] ، وقوله : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها. فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْراها. إِلى رَبِّكَ مُنْتَهاها) [النازعات : ٤٢ ـ ٤٤] : أخبر أنه لا يجليها لوقتها ، وذكر لرسول الله : إنك (إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها) [النازعات : ٤٥] ، فأما ما سوى ذلك فليس إليك.
أو أن يكون قوله : (إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ) ، أي : عنده علم بماهية الساعة وأهوالها ، ولم يذكر ماهيتها وحدها وقدرها ؛ فأخبر أنه يعلم هو ذلك.
وقوله : (وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ).
سمى المطر : غيثا ، فيشبه أن يكون سماه : غيثا ؛ لما به يكون للناس غياث فيما به قوام أنفسهم ودنياهم ، وسماه في موضع : رحمة ، وفي موضع : مباركا ، فتسميته : رحمة ؛ لما به نجاة أنفسهم وأبدانهم وذلك صورة الرحمة ، وسماه : مباركا ؛ لما به ينمو ويزداد كل شيء ؛ إذ البركة هي اسم كل خير ينمو ويزاد بلا اكتساب.
وقوله : (وَيَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ).
من انتقال النطفة إلى العلقة ، وانتقال العلقة إلى المضغة ، وتحوله من حال إلى حال أخرى ، وقدر زيادة ما فيه في كل وقت وفي كل ساعة ، ونحو ذلك لا يعلمه إلا الله. وأما العلم بأن فيه ولدا وأنه ذكر أو أنثى ـ فجائز أن يعلم ذلك غيره أيضا.
وقوله : (وَما تَدْرِي نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غَداً وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ).
جائز أن يكون كتم ذلك وأخفاه ؛ ليكونوا في كل حال على حذر وخوف وعلى يقظة ؛ إذ لو كان أطلعهم على ذلك ـ لكانوا آمنين إلى ذلك الوقت ؛ فيعملون بكل ما يريدون ويشاءون ؛ فيكون في ذلك ارتفاع المحنة ، فلبس ذلك عليهم ؛ ليكونوا أبدا في كل وقت وكل حال ـ على حذر وخوف ويقظة ، والله أعلم.
(إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ).
وذكر بعض أهل التأويل أن رجلا من أهل البادية يقال له : الوارث بن عمرو بن حارثة ابن محارب جاء إلى النبي صلىاللهعليهوسلم فقال : إن أرضنا أجدبت ، فمتى الغيث؟ وتركت امرأتي حبلى ؛ فما ذا تلد؟ وقد علمت أنى ولدت ؛ ففي أي أرض أموت؟ وقد علمت ما عملت اليوم ؛ فما ذا أعمل غدا؟ ومتى الساعة؟ فأنزل الله ـ تعالى ـ في مسألة المحاربي : (إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ) : لا يعلمها غيره ، (وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ) : من ذكر أو أنثى ، (وَما تَدْرِي نَفْسٌ) برة أو فاجرة (ما ذا تَكْسِبُ غَداً) : من خير أو شر ، (وَما تَدْرِي