وقال بعضهم : قوله : (وَلَقَدْ كانُوا عاهَدُوا اللهَ مِنْ قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الْأَدْبارَ) ، وذلك أنهم كانوا عاهدوا الرسول على عهدهم بمكة على العقبة بمنى ، واشترط عليهم لربّه ولنفسه : أمّا لربّه : أن يعبدوه وألا يشركوا به شيئا ، واشترط لنفسه أن ينصروه ويعزروه ويعينوه [ويمنعوه] ما يمنعون منه أنفسهم ونساءهم وأولادهم ؛ فقالوا : فإذا فعلنا ذلك ؛ فما لنا يا نبي الله؟ قال : لكم النصر في الدنيا ، [و] الجنة في الآخرة ؛ قالوا : قد فعلنا ؛ فذلك قوله : (وَلَقَدْ كانُوا عاهَدُوا اللهَ مِنْ قَبْلُ) ليلة العقبة حين شرطوا للنبي المنعة : ألا يولوا الأدبار منهزمين.
(وَكانَ عَهْدُ اللهِ مَسْؤُلاً).
أي : يسأل من نقض العهد في الآخرة ومن وفى.
وجائز أن يكون قوله : (وَكانَ عَهْدُ اللهِ مَسْؤُلاً) مجزيا نقضا أو وفاء ، يجزون على وفاء العهد ونقضه.
وقوله : (قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ).
قال أهل التأويل : إن قضي عليكم الموت أو القتل ؛ فلن ينفعكم الفرار.
وقال بعضهم : إن جعل انقضاء آجالكم الموت أو القتل لن ينفعكم الفرار ؛ بل تنقضي.
وأصله : إن كان المكتوب عليكم الموت أو القتل لن ينفعكم الفرار منه ؛ بل يأتي لا محالة ؛ كقوله : (لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلى مَضاجِعِهِمْ) الآية [آل عمران : ١٥٤] ، أي : لا محالة المكتوب عليهم القتل ـ وإن كانوا في بيوتهم ـ لبرزوا ؛ فيقتلون.
(وَإِذاً لا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلاً).
قال بعضهم (١) : إنما الدنيا قليل إلى آجالكم.
وجائز أن يكون معناه : ولئن نفعكم الفرار عنه (لا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلاً) ؛ كقوله : (أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْناهُمْ سِنِينَ. ثُمَّ جاءَهُمْ ما كانُوا يُوعَدُونَ) الآية [الشعراء : ٢٠٥ ، ٢٠٦].
قال أبو عوسجة والقتبي (٢) : أدعياءكم : من تبنيتموه واتخذتموه ولدا ، ما جعلتم بمنزلة الصلب وكانوا يورثون من ادعوا.
(ذلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْواهِكُمْ).
إن قولكم على التشبيه والمجاز ، ليس على التحقيق.
__________________
(١) قاله الربيع بن خثيم ، أخرجه ابن جرير (٢٨٣٩٠) و (٢٨٣٩٢) ، وابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه ، كما في الدر المنثور (٥ / ٣٦٠) ، وهو قول قتادة أيضا.
(٢) انظر : تفسير غريب القرآن ص (٣٤٨).