(وَاللهُ يَقُولُ الْحَقَ).
وقوله : (أَقْسَطُ) : أعدل.
(وَإِذْ زاغَتِ) : عدلت ومالت (وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ) ، أي : كادت تبلغ الحلقوم من الخوف ، والحناجر جماعة الحنجرة ، وهي المذبح.
وقوله : (وَزُلْزِلُوا) ، أي : شددوا عليهم وهوّلوا ، والزلزال : الشدائد ، وأصلها من التحريك واللائى تظهرون و (اللَّاتِي) مآلهما واحد ، والله أعلم.
وقوله : (قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللهِ إِنْ أَرادَ بِكُمْ سُوءاً أَوْ أَرادَ بِكُمْ رَحْمَةً).
ذكر هذا على أثر قوله : (قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ) ، يقول ـ والله أعلم ـ : إنكم ، وإن فررتم من الموت أو القتل ، فإن الله إن أراد بكم سوءا أو هلاكا لا يملك أحد دفعه عنكم ، أو إن أراد بكم رحمة ونجاة وخيرا لا يملك أحد منعه عنكم ، وقد تعلمون أنكم لا تجدون من دون الله وليّا ينفعكم ولا نصيرا ينصركم ويمنعكم عن حلول ذلك عليكم ، والله أعلم.
وقوله : (قَدْ يَعْلَمُ اللهُ الْمُعَوِّقِينَ) : هم المانعون منكم ، (وَالْقائِلِينَ لِإِخْوانِهِمْ) :
قال بعضهم (١) : هم اليهود أرسلوا إلى المنافقين ، وقالوا : من ذا الذي يحملكم على قتل أنفسكم بأيدي أبي سفيان ومن معه من أصحابه؟! فإنهم إن قدروا عليكم هذه المرة ما استبقوا منكم أحدا ، فإنا نشفق عليكم ؛ فإنما أنتم إخواننا ونحن جيرانكم ، (هَلُمَّ إِلَيْنا).
وقال بعضهم (٢) : هم المنافقون ، عوق بعضهم بعضا ومنع عن الخروج مع رسول الله إلى قتال العدوّ. وفيه أمران :
أحدهما : دلالة على إثبات الرسالة ؛ لأنهم كانوا يسرون هذا ويخفون فيما بينهم ، ثم أخبرهم بذلك ؛ ليعلموا أنه إنما علم ذلك بالله تعالى.
والثاني : أن يكونوا أبدا على حذر مما يضمرون من الخلاف له ؛ كقوله : (يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ ...) الآية [التوبة : ٦٤].
وقوله : (وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلاً).
أي : لا يأتون القتال والحرب إلا مراءاة وسمعة ، هذا ـ والله أعلم ـ يشبه أن يريد بالقليل : أنهم لا يأتون إتيان من يريد القتال والقيام معهم ؛ ولكن مراءاة وسمعة وإظهارا
__________________
(١) قاله مقاتل ، كما في تفسير البغوي (٣ / ٥١٨).
(٢) قاله قتادة بنحوه أخرجه ابن جرير (٢٨٣٩٦) ، وابن أبي حاتم عنه كما في الدر المنثور (٥ / ٣٦٠).