فدل أنه ما ذكرنا.
وقال أبو عوسجة : الإسراف : الفساد ، والتقتير : التضييق ، (وَلَمْ يَقْتُرُوا) أي : لم ينفقوا قليلا لا يكفي عيالهم.
قال : والقوام : الوسط. ويقال : لا قوام لي في هذا الأمر ، أي : لا طاقة لي فيه ، ولا أقاوم هذا الأمر ، أي : لا أطيقه ، والقوام : القصد.
قال أبو معاذ : في قوله : (وَلَمْ يَقْتُرُوا) لغات أربع : (وَلَمْ يَقْتُرُوا) : برفع الياء وبخفض التاء غير مثقل ، و (يَقْتُرُوا) بنصب الياء ، وخفض التاء ، و (يَقْتُرُوا) برفع التاء ، والمعنى كله واحد. وقوله : (وَالَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْها صُمًّا وَعُمْياناً) : قال بعضهم (١) : يقول : إذا ذكروا بآيات ربهم لم يصموا عن الحق ولم يعموا ؛ قال : هم ـ والله أعلم ـ قوم عقلوا عن الله ، وانتفعوا بما سمعوا من كتاب الله.
وقال الحسن (٢) : من يقرؤها بلسانه يخر عليها أصم وأعمى ؛ كأنه يخبر أن أولئك ـ أعني : أهل صفوة الله وإخلاصه ـ لم يخروا على تلك الآيات صمّا ولا عميانا كالكفرة العندة ، ولكن خروا عليها متذكرين ومتفقهين متيقظين ، عالمين بما فيها ، عاملين ؛ كقوله : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ ...) الآية [الأنفال : ٢].
وقوله : (يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهاناً) : فإن قيل : أخبر هاهنا أنه يضاعف له العذاب ، وقال في آية أخرى : (مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها) ، فما معنى الضعف هاهنا؟
قيل : يحتمل هذا وجهين :
أحدهما : أنه يضاعف العذاب للذين تقدم ذكرهم إذا كفروا بالله بعد ما بلغوا المبلغ
__________________
ـ الصلب ، والحاكم (٤ / ٣٦٧) من حديث عائشة ، وقال الحاكم : صحيح على شرط الشيخين ، ووافقه الذهبي.
وأخرجه البخاري (١٢ / ٢٠١) كتاب : الديات ، باب : قوله تعالى : (أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) ، حديث (٦٨٧٨).
ومسلم (٣ / ١٣٠٢) كتاب : القسامة ، باب : ما يباح به دم المسلم (٢٥ / ١٦٧٦) ، والترمذي (١٤٠٢) ، وأبو داود (٤٣٥٢) والنسائي (٧ / ٩٢) وابن ماجه (٢٥٣٤) ، والدارمي (٢ / ٢١٨) ، والدارقطني (٣ / ٨٢) ، والبيهقي (٨ / ١٩) ، وأحمد (١ / ٣٨٢ ، ٤٢٨ ، ٤٤٤ ، ٤٦٥) ، عن عبد الله بن مسعود مرفوعا بنحوه.
(١) قاله قتادة ، أخرجه عبد بن حميد وابن أبي حاتم عنه ، كما في الدر المنثور (٥ / ١٤٩).
(٢) أخرجه الفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد ، كما في الدر المنثور (٥ / ١٤٩).