وقوله : (وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئاتِ).
قال عامة أهل التأويل (١) : والذين يعملون السيئات.
وجائز أن يكون ما ذكر من مكرهم السيئات هو مكرهم برسول الله وأذاهم إياه ؛ كقوله : (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ ...) الآية [الأنفال : ٣٠] ، ويمكر الله بهم في الدنيا بالهلاك والقتل وفي الآخرة بالعذاب الشديد الذي حيث قال : (لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولئِكَ هُوَ يَبُورُ) ، أي : هو يهلك ؛ من البوار ، وهو الهلاك ، وهو قتلهم ببدر ، والله أعلم.
وقوله : (وَاللهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ).
(خَلَقَكُمْ) ، أي : قدركم مع كثرتكم من أول أمركم إلى آخر ما تنتهون إليه من التراب الذي خلق آدم منه ؛ إذ الخلق في اللغة : التقدير.
وقوله : (ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ).
أي : قدركم أيضا مع كثرتكم وعظمكم من تلك النطفة ، يخبر عن علمه وتدبيره في تقديره إيانا مع كثرتنا في ذلك التراب وفي تلك النطفة ، وإن لم نكن نحن على ما نحن عليه في ذلك التراب والنطفة لا يعجزه شيء.
أو أن يكون إضافته إيانا إلى ذلك التراب والماء ؛ لأنه كان ذلك أصلنا ومبادئ أمورنا ، وكان المقصود بخلق ذلك التراب والماء ، والأصل هذا الخلق وهو العاقبة ، وقد يذكر ويضاف العواقب إلى المبادئ وتنسب إليها إذا كان المقصود من المبادئ العواقب وله نظائر كثيرة ، وقد ذكرناه في غير موضع.
وقوله : (ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْواجاً) ، أي : خلقكم من ذلك ذكرا وأنثى ليسكن بعضه إلى بعض ، أو جعلكم أزواجا أصنافا.
وفي حرف ابن مسعود : والله الذي خلقكم من نفس واحدة ثم جعلكم أزواجا ، والله أعلم.
وقوله : (وَما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى وَلا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ).
يقول ـ والله أعلم ـ : (وَما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى) من أول ما تحمل إلى آخر ما تنتهون إليه (إِلَّا بِعِلْمِهِ) السابق ، وكذلك لا تضع كل حامل من أول ما تضع إلى آخر ما ينتهون إليه إلا بعلمه السابق ، أنها تحمل كذا في وقت كذا من كذا ، وأنها تضع كذا في وقت كذا ،
__________________
(١) قاله قتادة أخرجه عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه كما في الدر المنثور (٥ / ٤٦٣).