الله ـ وبلغه إلى دار السلام.
وقال بعضهم : المستقيم ، أي : استقام بالحق والعدل والصدق ، لا زيغ فيه ، ولا جور ، ولا عدول ، ولا اعوجاج.
ويحتمل أن يكون ذلك وصف النبوة والرسالة التي تقدم ذكرها.
ويحتمل وصف الدين ، وذلك عامة قول أهل التأويل ، والله أعلم.
وقوله : (تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ).
أي : ذلك القرآن الذي أقسم به (تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ) ، أي : من عنده نزل وأحكم ، سمّى نفسه : عزيزا رحيما عظيما لطيفا ظاهرا باطنا أولا آخرا ، وفي الشاهد من وصف بالعزّ لا يوصف بالرحمة ، ومن وصف بالعظم لا يوصف باللطافة ، ومن وصف بالظاهر لا يوصف بأنه باطن ، ومن وصف بالأول لا يوصف بالآخر ؛ ليعلم أن المعنى الذي وصف به الخلق غير الذي وصف به الربّ ـ تبارك وتعالى ـ لأن من وصف من الخلق بواحد مما ذكرنا لم يستحق الوصف بالآخر ، [فدل] أن ما وصف به الرب ـ تبارك وتعالى ـ غير ما يوصف به الخلق ، تعالى الله علوّا كبيرا.
وقوله : (لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ) ، اختلف فيه :
قال بعضهم : (لِتُنْذِرَ قَوْماً) مثل الذي أنذر آباؤهم من الآيات التي أقامها ، فلم يقبلوها (فَهُمْ غافِلُونَ) أميون.
وقال بعضهم : (لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ) ، أي : لتنذر قوما أميين لم ينذر آباؤهم ، يقول قائل : لم تكن النذارة للأميين من قبل ، كأنه يقول : لتنذر قوما أميين لم ينذر آباؤهم الأميون من قبل ؛ وكذلك قال : (لَئِنْ جاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ) [غافر : ٤٢] ؛ وهو كقوله : (لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ) [السجدة : ٣] ، وقوله : (وَما أَرْسَلْنا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ) [سبأ : ٤٤] ، أي : لم نرسل إليهم قبلك نذيرا ، وأصله : أنه يخبر أنه لا ينجع في هؤلاء النذارة كما لم ينجع في آبائهم ، بل هم غافلون.
ثم الإنذار يحتمل أن يكون بالنار في الآخرة والتعذيب بها ، ويحتمل الآيات التي أقامها في الدنيا والقتل فيها ، والله أعلم.
وقوله : (لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ).
قيل : هو قوله لإبليس حيث قال : (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ) [ص : ٨٥] و (مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) [السجدة : ١٣] ، أي : حق ذلك القول ووجب.
ثم يحتمل ذلك في الذي ذكره بعض أهل التأويل : أن نفرا هموا برسول الله قتله وأذاه ،