عنه إلا كبير لهرمه أو مريض لمرضه أو ضرير لضرره أو معذور لعذره وذلك أنهم لما رأوا التابوت قالوا قد أتانا التابوت وهو النصر لا شك فيه فتسارعوا إلى الجهاد فقال طالوت لا حاجة لي في كلما أرى لا يخرج معي رجل يأتينا لم يفرغ منه ولا صاحب تجارة يشتغل بها ولا رجل عليه دين ولا رجل تزوج بامرأة لم يبن بها ولا أبتغي إلا البسيط الفارغ فإذا جمع ثمانون ألفا على شرطه يخرج بهم وكان في حر شديد فشكوا قلة المياه بينهم وبين عدوهم وقالوا إن المياه لا تحملنا وادع الله أن يجري لنا نهرا فقال لهم طالوت بأمر أشموئيل إِنَّ اللهَ مُبْتَلِيكُمْ يختبركم ليرى طاعتكم وهل علم بِنَهَرٍ وهو نهر بين الأردن وفلسطين عذب فكان الذين قنعوا بالغرفة الواحدة ثلاثمائة وثلاثة عشر وكفت كل واحد منهم غرفته لشربه وحمله ودوابه والذين خالفوا وشربوا اسودت شفاههم وغلبهم العطش وجنبوا عن لقاء العدو ورجعوا على شط النهر ولم يدركوا الفتح وانصرفوا عن طالوت وحضر داود وقال أنا أقتل جالوت وكان الأمر كذلك فإنه رماه بحجر فقتله.
أقول ليس من العجب أن قوما خرجوا بعد أن شاهدوا تابوت النصر وقد عزموا على الجهاد والحرب والصبر وانحل ذلك العزم إلى زيادة على غرفة من الماء ولم يكن لهم أسوة بسلطانهم ولا قوة بآية التابوت ملائكة السماء قد كانت الجاهلية والذين يحاربون من الكفار ما عندهم تصديق بدار القرار ولا عذاب النار وإنما يطلبون مجرد الحياة الفانية وهم يخاطرون بأنفسهم ورءوسهم لأجل ذكر جميل أو مال وهيبة فيا عجباه لمن يدعي أنه على تحقيق ويقين ويضعف عن حال ضعيف معول على ظن ضعيف وتخمين.
فصل فيما نذكره من الوجهة الثانية من القائمة الخامسة من الكراس السادس عشر من أصل المجلد الأول أيضا من الجزء الثالث من التبيان بلفظه قوله (وَما ذا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللهُ وَكانَ اللهُ بِهِمْ عَلِيماً) ـ آية واحدة بلا خلاف معنى قوله (وَما ذا عَلَيْهِمْ) الآية ـ