الإلزام قهرا شبه غرزي فإنّه يفقد بذلك صفته الإخلاقية ، وعكس ذلك : أنّ تلقائية الحبّ هي نقيض الإلزام.
والحقّ أنّ الإخلاقية الصّحيحة لا تجد هنا مجالها ، في إحدى الحالتين ، أو في الأخرى ، فالإنسان قد صور لنا على أنّه لعبة في يد قوة ، أيّة كانت ، فهو تارة مدفوع بالغريزة ، وأخرى محمول بالعاطفة ، ولكنه لم يكن مطلقا شخصية مستقلة ، قادرة على المقارنة ، والتّقويم ، والإختيار.
وإذن ، فلكي تكون لدينا أخلاقية لا يكفي أن يتمثل لنا المثل الأعلى على أنّه هدف لطموح متوثب محلق ، ولا على أنّه أمر البيئة ، وكأنّه ضريبة استبدادية ، بل يجب أن يمر كلاهما في الضّمير ، ويتعرض لعملية إنضاج حقيقية ، يخرج منها بمظهر جديد ، قائم على مبادىء قانونية ، يقويها ، ويفرضها العقل. فما دامت جاذبية المثل الأعلى ليست لها صبغة الأمر الصّادر عن العقل ، وحتّى لو لم تكن نوعا من ملاحقة السّراب ، أو حلما واهما ؛ فإنّها تظل محكومة بنوع من الإحساس بالجمال ؛ ولكن هذا الإحساس بالجمال ، مهما بلغ من النّبل ، فلن يكون مبدأ أخلاقيا.
وكذلك الحال في كلّ خضوع لا مسوغ له ، إلّا أن يكون صادرا عن نوع من الأرهاب الجماعي.
ومن هنا نرى القرآن يقف دائما أمام هذين العدوين للأخلاقية : اتباع الهوى دون تفكير : (وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ) (١). (فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوى أَنْ تَعْدِلُوا) (٢) ،
__________________
(١) ص : ٢٦.
(٢) النّساء ١٣٥.