والإنقياد الأعمى : قالوا (إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ) (١). فهل يقدم الذين يريدون السّير على سنة أسلافهم على الإنقياد لهم دون تمييز ، حتّى ولو (كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ) (٢)؟.
ففي الفرد إذن ـ من حيث كونه فاعلا ـ عنصر عقلي ، أعني : عنصرا أخلاقيا ، بالمعنى الحقّ ، وفي الأمر الخلقي عنصر آخر هو : العقل ، والحرية ، والمشروعية ؛ وتلكم هي العوامل الأساسية ، الّتي أدى إغفالها إلى نقص كبير في تحليل برجسون.
ولقد يستطيع من شاء أن يقلل من شأن «الملكة الفكرية» ، وما لها من دور في تصور الأمور ، والحكم عليها ، بإعتبارها الأخيرة من حيث تأريخ ظهورها ، ويستطيع أن يصر على أنّ تأثيرها ضئيل في مقاومة الشّهوات ، ولكن يبقى شيء لا شك فيه ، هو أنّ جوهر الأخلاقية ذاته يكن في نشاط ذاتنا المفكرة.
ولقد أحسن (كانت) صنعا ـ برغم بعض النّقص في طريقة تقديمه لنظريته ـ حين أكد أنّه كشف عن مصدر الإلزام الأخلاقي ، في تلك الملكة العليا في النّفس الإنسانية ، والّتي توجد مستقلة عن الشّهوة ، وعن العالم الخارجي معا ـ ، إذ يقول :
«أيّها الواجب ، أيّها الاسم الأسمى العظيم ... أي مصدر جدير بك؟ ..
وأين نجد جذر ساقك النّبيلة؟ .. لعله لا يكون ـ على الأقل ـ سوى ذلك الّذي يرفع الإنسان فوق ذاته ... والّذي يشده إلى نظام للأشياء ، لا يمكن لقوة أن
__________________
(١) الزّخرف : ٢٢ ـ ٢٣.
(٢) البقرة : ١٧٠.