ضمائرنا ، عند ما لا تجد حيثما توجهت غير الظّلام؟ .. وأين نجد ذلك المخلّص الّذي تعلقت به أنفسنا ، وقد تفاذفتها الشّكوك؟.
ليس لدينا أمام هذه الأسئلة سوى إجابة واحدة تفرض نفسها ، إذ لا أحد يعرف جوهر النّفس ، وشريعة سعادتها ، وكمالها ، مع الصّلاحية الكاملة ، والبصيرة النّافذة ـ غير خالق وجودها ذاته : (أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) (١)؟.
فمن ذلكم النّور اللانهائي يجب أن أقتبس نوري ، وإلى ذلكم الضّمير الأخلاقي المطلق يجب أن أتوجه لهداية ضميري : (وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (٢).
فبدلا من أن نقول : العقل المحض [Raison transcendentale] ـ يجب أن نقول : العقل العلوي [raison transcendante] ، وبدلا من الإستناد إلى تجريد تصوري ذهني ـ يجب أن نلجأ إلى ذلكم الواقع المحسن ، الحي ، العليم ، الّذي هو (العقل الإلهي) ، فنور الوحي وحده هو الّذي يمكن أن يحل محل النّور الفطري ، ذلك أنّ الشّرع الإلهي الإيجابي هو الّذي يجب أن يستمر ، ويكمل الشّرع الإخلاقي الفطري.
وفي القرآن يسير العقل ، والنّقل معا ، جنبا إلى جنب ، وهو ما يفهم من قوله تعالى : (وَقالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ ما كُنَّا فِي أَصْحابِ السَّعِيرِ) (٣) ، وفي قلب
__________________
(١) الملك : ١٥.
(٢) البقرة : ٢١٦.
(٣) الملك : ١١.