المؤمن يستقر نوران ، على حين لا يجد الملحد سوى نور وأحد ، وهذا هو معنى رمز النّور المزدوج في قوله تعالى : (نُورٌ عَلى نُورٍ) (١).
هل معنى ذلك أنّ علينا أن نفرق بين مصدرين مختلفين للإلزام الأخلاقي؟ كلا ... فنحن بالأحرى نراهما مستويين لمصدر وأحد ، أقربهما إلى النّاس هو أقلهما نقاء ، وذلك أنّ هذا النّور المكمل ليس قريب المنال ، ولا سلطان له علينا ، وليس له معنى أخلاقي إلّا من خلال ضميرنا الفردي ، وشريطة أن يعترف به ، فمن يد هذا الضّمير الفردي نتلقى في كلّ حال الأمر المباشر ، وعقلنا الإنساني هو الّذي يأمرنا أن نخضع للعقل الإلهي.
ومن هنا أستطاع الغزالي أن يقول : «وقول القائل : صار واجبا بالإيجاب حديث محض ، فإنّ ما لا غرض لنا آجلا وعاجلا في فعله وتركه ؛ فلا معنى لاشتغالنا به ، أوجبه علينا غيرنا أو لم يوجبه» (٢). هذا من ناحية ، ومن ناحية أخرى : عند ما أسأل نفسي ، وقد استسلمت لأنواري الفطرية قبل أن أخوض عملا ما ـ لكي أعرف واجبي ، في موقف يتسم بالوضوح نسبيا ، فإنّ إشارة ضميري لن يكون لها في نظري قيمة القاعدة الأخلاقية إلا إذا اعتقدت أنّها تعبر عن الحقيقة الأخلاقية في ذاتها ، لا عن حقيقة نسبية بالنظر إلى مشاعري. وكلّ جهودي في التّأمل تهدف إلى مطالعة هذه الحقيقة الّتي اعتقد أنّها مطبوعة في أعماقي ، وفي جوهر كلّ كائن عاقل.
فإذا ما قيل لنا : إننا نحن الذين نشرع لأنفسنا ، بوصفنا أعضاء في عالم عقلي ،
__________________
(١) النّور : ٢٥.
(٢) إحياء علوم الدّين : ٤ / ٤ ـ طبعة الحلبي.