ـ كلا ... فهذا الإستدلال بمقتضى تعريفه ، نفسه يفترض وجود حالة نقيس عليها ، تمثل بها الحالة الجديدة ، وعليه فالحالة الّنموذج ينبغي أن يسبق ذكرها في القرآن ، أو في الحديث ، أو في الإجماع. وفضلا عن ذلك فإنّ الطّابع المشترك بين الحالتين يجب : إمّا أن ينشىء (١) علة التّشريع ، وإمّا أن ينطوي (٢) عليها. والمراد بالعلة : السّبب الّذي من أجله طبق حل الحالة الأولى.
وبناء على ذلك فإذا كان هذا الطّابع المشترك قد عين صراحة في النّص ، أو أعترف به الإجماع ، على أنّه سبب وجود الحل الأصلي. فليس هنالك أية صعوبة ، حتّى من قبل المدرسة الظّاهرية ، لكي نجعل هذا الطّابع دليلا ، بل شرطا ضروريا ، وكافيا للحكم الصّادر من قبل ، ومن ثمّ لا صعوبة أيضا في تعميم هذا الحكم ، وتطبيقه أينما توفرت العلة الثّابتة.
بيد أنّه في الحال الّتي لا يمكن فيها إستخراج هذا التّعليل ، أو هذه العلاقة السّببية ، إلّا بواسطة جهد دقيق في البرهنة ، قلّ أو كثرّ ـ أيجب في هذه الحال أن نعد هذا التّعليل بما يستقى منه من نتائج ـ مما تقتضيه روح الشّريعة المنزلة؟ ..
في رأينا أنّ الإجابة عن هذا السّؤال ينبغي أن تشتمل درجات ، ولكن سكوت المدرسة الظّاهرية عنه لا يعد على الأقل مانعا من إساءة استعمال بعض الفقهاء للحرية العقلية.
وبعكس ذلك مذهب المالكية ، الّذي مضى إلى ما هو أبعد من ذلك في الإتجاه المتحرر ، مستندا إلى ما حدث من أمثلة على عهد المسلمين الأوائل.
__________________
(١) انظر : قياس العلة.
(٢) انظر : قياس الشّبه.