الأخلاقية العادلة ، والمعقولة ، ولا سيّما الأخلاق الموحاة كلّها ، من حيث كان بدهيا أن عكس هذه الأخلاق غير متوافق مع العدالة ، والحكمة الإلهية. ومضمون النّصوص السّالف ذكرها يؤكد هذه الملاحظة ، إذ هو يقدم لنا في الواقع هذا الشّرط في صورة مؤكدة ، شديدة العموم ، حتّى ليحق لنا أن نفسرها على أنّها تعبير عن قانون إلتّزمت به الذات الإلهية نفسها ، وهو صادق بالنسبة إلى جميع النّاس ، في جميع الأزمان.
وإليك الآن نصوصا أخرى لا تقتصر على نفي كلّ ما هو مستحيل على سبيل الإطلاق ـ من الأخلاق الإسلامية ، وإنّما هي تنفي عنها كذلك كلّ تكليف لا تقر العادة إمكان تحمله ، كما تنفي كلّ مشقة يمكن أن تستنفد قوى الإنسان ، حتّى لو كانت في حدود طاقتها.
يقول الله سبحانه : (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) (١) ، ويقول : (وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) (٢) ، ويقول : (يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ) (٣) ، ويقول : (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ) (٤).
ففي هذه الكلمات نسمع نغمة جديدة تماما ، إذ أنّه على حين أنّ الشّرط الأوّل ، وهو الإمكان ، كان يساق على أنّه حقيقة أبدية ، مستقلة عن المكان ، وعن الزّمان ـ لا نصادف هنا سوى أقوال مقيدة ، تقدم لنا هذا الطّابع الثّاني : اليسر ، على أنّه واقع تأريخي ، متصل بالأمّة الّتي يتوجه إليها الخطاب ، أعني :
__________________
(١) البقرة : ١٨٥.
(٢) الحجّ : ٧٨.
(٣) النّساء : ٢٨.
(٤) الأنبياء : ١٠٧.