فسوف نصادف هنا سلما من القيم الإيجابية ، والسّلبية ، رتبت بعلم ، وتنوعت في وفرة.
ولو أننا ـ بادىء ذي بدء ـ نحينا جانبا الواجبات الأولية المحددة الّتي لا يؤدي تطبيقها إلى أدنى لبس ، مثل : (لا تكذب ـ أدّ الأمانة ـ كن في حاجة الآخرين ..) لبقي أمام الفضيلة المبدعة ، والبناءة ميدان نشاط متراحب ، يضم عددا لا ينتهي من الدّرجات ، كلّها ممكنة ، وعملية ، فهل يجب إستيعابها؟ أو أنّه يكفي الإجتزاء ببعضها؟. وبعبارة أخرى ، هل الخير والواجب فكرتان متطابقتان؟ وهل لا يوجد فوق السّلوك الملزم بشكل صارم درجات يتزايد إستحقاقها للثواب ، ويصح تجاوزها دون إرتكاب موقف غير أخلاقي؟
إنّ رجوعنا إلى الضّمائر الفردية سوف يصطدم بأنّ كلّ النّاس ليس لديهم نفس القدر من التّشدد ، ولا نفس الطّاقة الأخلاقية ، ويترتب على ذلك أنّ التّنوع في الإجابات يرينا كثيرا من الإتجاهات المتعارضة ؛ فعلى حين أنّ الأنفس ذات العزيمة القوية (١) تجعل واجباتها في أعلى درجات الكمال الممكن ، وبذلك يتطابق لديها المفهومان «أي ؛ مفهوم الواجب ، والخير» يتجه الكافة بعكس ذلك إلى ما هو أقل وأدنى ، ليحددوا الواجب على أنّه الحد الأدنى من النّزعة الإنسانية وحسن المعاشرة.
وعلى الرّغم مما يدعيه «كانت» فإننا نتردد في وضعه بين الفلاسفة الذين يؤيدون أرتباط فكرة الإلزام بفكرة الخير ؛ بالمعنى الواسع الّذي نقصد إليه من
__________________
(١) انظر ، مثلا الغزالي في الإحياء : ٤ / ١٠ ، وكذلك أبو المعالي ، الّذي يرى أنّه لا توجد خطيئة عرضية ، فكلّ شرّ أخلاقي هو كبيرة «أبو المعالي بالإرشاد ـ ذكره الشّاطبي في الموافقات : ٣ / ٢٥٣».