ويمكن القول إجمالا بأنّه يتكون في ثلاث مراحل :
آ ـ إثبات حدث أوّلي.
ب ـ تحليل يسمح بالإرتقاء إلى أعلى درجات العمومية.
ج ـ هبوط مرة أخرى لوضع القواعد الأساسية للأخلاق الإنسانية.
***
آ ـ إنّ نقطة البداية في النّظرية الكانتية تنحصر في هذا الواقع المحسوس ، الّذي يقدمه الضّمير مباشرة ، أعني : أننا في أحكامنا الأخلاقية لا نزن الأعمال مطلقا بالقياس إلى نتائجها الطّيبة ، أو السّيئة ، ولكنا نزنها بالقياس إلى قاعدة عامة صالحة للتطبيق على جميع الأفراد ، ومستقلة عن جميع النّتائج ، وتلك حقيقة لا مجال للطعن فيها.
فنحن ـ بدلا من أن نجعل البحث عن اللّذة ، والهروب من الألم مبدأ للتقدير الأخلاقي ـ نستحسن الأعمال الفاضلة بقدر ما تشق علينا. ونحن نعجب إلى أقصى حدّ بالنفوس القوية الّتي تعرف كيف تقاوم كلّ ضروب الإغراء ، وتتخطى جميع العقبات. ونحن ـ قبل أن نمنح أنفسنا الحقّ في إخضاع قاعدة سلوكنا الخاص لأحوالنّا الشّخصية ـ نعرف أنّ من واجبنا أن نقيسها على القاعدة الّتي نتطلبها من الآخرين : «كلّ ما تريدون أن يفعل النّاس بكم إفعلوا هكذا أنتم أيضا بهم» (١) ، ويؤكد القرآن الكريم هذا المعنى بقوله : (وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ) (٢) ، ويمضي رسول الله صلىاللهعليهوآله إلى حدّ أن يجعل
__________________
(١) إنجيل متى ـ القسم ـ الإصحاح السّابع : ١٢.
(٢) البقرة : ٢٦٧.