يجب أن أدافع عن حقي بإعتباري «إنسانا» ، أي : بإعتباري أمينا على هذا المبدأ المقدس ، مبدأ الإنسانية. لكنا إذا تعدينا واجب «العدالة» فهناك واجب «الرّحمة» ، ألا يتطلب هذا الواجب أيضا أن يطبق بصورة شاملة؟ ولما كانت الرّحمة تستتبع بالأحرى إغضاء وتسامحا ، فإنّ الأخلاق المسيحية الّتي تأمرنا في هذا الصّدد بأن نحب حتّى أعداءنا ـ كانت أكثر إخلاصا لمبدأ الواجب الكلي الشّامل من الأخلاق الكانتية.
وهنا نشهد إعترافا ضمنيا بأنّ العمومية لا يمكن أن تتوافق مع واجب إلا إذا قوضت عمومية واجب مناقض له. والحقّ أنّ الأمر الحتمي غير المشروط لا يمكن أن يتخيّل بالمعنى الدّقيق للكلمة ، أعني : من وجه مطلق ، غير محدود ، لا بالتجربة ، ولا بالإدراك ، ألا إذا قبلنا مبدأ الواجب الوحيد ، وبما أنّ هنالك تعددا في الواجبات ، وينبغي أن يوجد هذا التّعدد ، فإنّ هناك حالتين ممكنتين :
فإمّا أنّ الأمرين سوف يمضيان متوازيين ، دون أن يضيق أحدهما بالآخر ، وإمّا أنّ كلا منهما سوف يتجه إلى مناقضة الآخر ، لا إلى محايدته فحسب.
وفي الحالة الأولى ، لا توجد أية صعوبة عملية ، فنحن مثلا ينبغي ألا نكذب ، وأ لا نقتل ؛ وهذان واجبان متوافقان تماما ، ومن الممكن أن يمضيا معا. ولا ريب أنّه ليس من الضّروري أن يفرضا دائما في وقت واحد ، لأنّ أحدهما خاص «بالكلام» ، والآخر خاص «بالعمل». بيد أنّ الحدود المرسومة لكلّ منهما لم تفرض عليه من خارجه ، بل بنصه نفسه ، ومن تحليل مفهومه الخاص ، وهو عمل يتناسب مع ممارسة الإدراك الإنساني ، مستقلا عن كلّ عنصر تجريبي.
أمّا في حالة التّصادم بين الواجبات ، فتتفجر صعوبات عظيمة الخطر ، وإليك