وبعبارة أخرى : إذا كانت المبادىء الأولى ، والقوانين العامة تعفينا مطلقا من أن نطابقها مع الواقع ، وإذا كان هذا الواقع لا يحتوي شيئا زائدا ، ولا يقدم لنا جانبا جديدا ـ فإنّ العالم سوف يبلغ مرحلة المتماثل المبهم ، سوف يكون بلا حياة ، بلا تأريخ ، بلا أبعاد.
ولكن في مقابل ذلك ، إذا لم يكن هنالك من حقيقة مكتسبة ، ولا قانون ثابت ، فإنّ العقل سوف يتوقف عن أن يكون عقلا ، سوف يفقد وحدته البنائية ، سوف يؤول إلى هباء ، ولن تكون له أدنى سيطرة على الطّبيعة.
وفي مقابل ذلك ، ومن وجهة نظر عملية ـ لو كان يجب على العالم أن يستأنف دائما من البداية ، فلن يكون التّقدم ممكنا ، ولن يتم مطلقا بناء صرح الحقيقة.
وإنّما هو لقاء الفكرة بالموضوع ، لقاء الشّكل بالمادة ، لقاء الفرض بالتجربة ، لكي تنفجر شرارة المعرفة الحقة.
وذلكم هو شأن الأخلاقية ... فلا الصّيغة المجردة لقاعدة عامة ، ولا التّحليل الدّقيق للحالة الخاصة ـ معزولا كلاهما عن الآخر ـ يكفي لهداية إرادتنا ، وإنّما هو كما قررنا منذ قليل ـ تركيب «المثل» الشّامل ، القادم من «أعلى» ، مع الواقع الرّاهن ، الّذي ليس سوى إيضاح وبيان ، حتّى يوجد الدّليل الممتاز لضميرنا. فبين المثل الأعلى ، والواقع ، بين المطلق ، والنّسبي ، يوجد الضّمير الإنساني علامة توحيد ، يجب أن يستمر في التّقريب بين هذين الطّرفين ، بأن يؤكد رابطة ما بينهما في صورة العمل الّذي يولد من إقترانهما السّعيد ، ويرتدي هذه الصّفة المزدوجة الّتي يمثلها في وقت واحد : ثبات القانون الأزلي ، وجدة الإبداع الفني.