أليس هذا هو نفس إدراك «التّكليف» الّذي يستخلص من المفاهيم القرآنية؟ ولنستمع إلى القرآن وهو يقول : (فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) (١) ألا نرى فيه من أوّل وهلة الخط الفاصل الّذي يميز هذه الصّيغة من الأخريات؟؟
ليست هذه هي الصّيغة : «أفعلوا ما يبدو لكم حسنا» تبعا لإلهام اللحظة.
وليست هذه أيضا صيغة الواجب الصّارم على سبيل القهر ، دون إستثناء ، أو تعديل. ليست هذه أو تلك ، ومع ذلك فهي تتفق معهما في إمتدادهما العميق.
بهذه الكلمات الجامعة البيّنة يلفت القرآن أنظارنا نحو السّماء ، وهو يثبتنا على أسس متينة من الواقع. وهكذا نجد طرفي السّلسلة وقد إجتمعا : صعود نحو المثل الأعلى ، وإنقاذ للفطرة ؛ خضوع للقانون ، وحرية للذات.
ولكن ، هل ترون أنّ هذا ممكن؟! ألا يجوز أن يتنافر هذان الطّرفان المتعارضان؟. أو لا يجوز لكلّ فرد ، منذ اللحظة الّتي يصرّح له فيها بتحديد واجبه بالنسبة إلى حالته الخاصة ـ أن يتجاوب مع نوازعه الطّارئة ، ويطرّح بهذا سلطة الأمر؟.
ـ هذا ما لا يحدث أبدا ، لأنّ الضّمير الّذي يخاطبه القرآن ليس ذلك الضّمير الفارغ ؛ غير المهذب ، المتروك دون مرشد غير حالته البدائية ، على ما عليه إنسان الطّبيعة لدى «روسو». وليس هو أيضا ضمير ذات مختلفة ، كالذات الخالصة [M oitranscendental] ، لدى «كانت».
إنّه ضمير يجمع شرطين لم يجتمعا خارجه قط ، فهو أوّلا مستنير ، بفضل تعليم
__________________
(١) التّغابن : ١٦.