فهذه «قدرة» و«إستطاعة» ، أمّا في اللحظة الثّانية فإننا نتخذ ـ على العكس ـ موقف خفض الجناح ، والخضوع ، فهذا «واجب».
وإنّا لنقرر أنّ كون المرء مسئولا يدعوه إلى أن يقدم حسابا ببعض الأشياء إلى بعض النّاس ، فلمن يقدم؟ .. وما ذا يقدم؟ ..
وما دمنا قد أتفقنا على أنّ المسئولية تفترض الإلزام سلفا ، فإنّ ذلك ينتج عنه ، من ناحية ، أنّ الحساب يجب أن يكون موضوعه الطّريقة الّتي تم بها أداء عمل إلزامي ، أو إهماله ومن ناحية أخرى أنّ القاضي الّذي سوف يمثل المرء أمامه ليس سوى السّلطة الّتي يصدر عنها التّكليف. وعليه ، فنحن نعرف من هذه السّلطة ثلاثة أنواع : فمن الممكن أن يخضع المرء لتكليف يلزم به نفسه ، أو يتلقاه عن أناس آخرين ، أو عن سلطة أعلى فعلا. وفي الحالة الأولى تأتينا المسئولية من داخلنا ، فالمرء يجعل من نفسه مسئولا عن عمل لم يكلفه به أحد. أمّا في الحالتين الأخريين فنحن نتلقى المسئولية من خارجنا. ولكن سواء أكان المرء مسئولا أمام نفسه ، أم أمام الإنسان ، أم أمام الله سبحانه فإنّ حكم المسئولية يصدر دائما بوساطة نفس السّلطة الّتي أصدرت الأمر أوّلا.
ومن هنا نجد ثلاثة أنواع من المسئولية : المسئولية الدّينية ، والمسئولية الإجتماعية ، والمسئولية الأخلاقية المحضة.
وإنّ القرآن ليذكر هذه الثّلاثة مجتمعة في هذا النّظام في قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (١).
ونستطيع أن نقول ، بمعنى معين ، إنّ كلّ مسئولية هي مسئولية أخلاقية ، متى
__________________
(١) الأنفال : ٢٧.