أرتضيناها. فالمسئولية الّتي يحملنا إياها غيرنا تصبح بمجرد قبولنا لها مطلبا صادرا عن شخصنا. وإذن فليس من المستغرب أن نرى القرآن يقدم لنا المسئولية الدّينية ذاتها في صورة مسئولية أخلاقية محضة ، حين يقول بمناسبة بعض التّعاليم المتعلقة بالصوم المفروض ، وقد تحايل بعض النّاس على التّخلص منه سرا : (عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ) (١). وفي كثير من الأحيان لا يكتفي الكتاب ، حين يستحث المؤمنين إلى الطّاعة ، بأنّ يذكرهم بالأمر الإلهي ، بل يذكرهم ، في الوقت نفسه ، بالعهد الّذي قطعوه على أنفسهم بأن يطيعوا هذا الأمر : (وَقَدْ أَخَذَ مِيثاقَكُمْ) (٢) ، (إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنا وَأَطَعْنا) (٣).
فعلى حين نستطيع أن نتصور بالنسبة إلى غير المؤمن مسئولية تفرض عليه من خارج ذاته دون أن تكون لديه مسئولية أخرى صادرة عن ضميره الخاص ، نجد المؤمن ـ على العكس ـ لا يمكن أن توجد إحدى المسئوليتين لديه دون الأخرى ، لأنّ العمل الأوّل للإيمان يستلزم معرفة الله ، الجدير بالطاعة ، والّذي هو في الوقت نفسه محبوب ، ومعبود.
ولكن في اتجاه آخر ، يمكن القول بأنّه في سبيل تحقيق أخلاق كأخلاق القرآن يجب أن تنتهي كلّ مسئولية إلى نوع من المسئولية الدّينية ، أو على الأقل تتبعها. هذه الأخلاق ترى ، في الواقع ، أنّه لا الإلتزامات الفردية ، ولا المؤسسات الإجتماعية ، بقادرة على أن تكون مصادر للتكليف ، والمسئولية ، إلّا بواسطة
__________________
(١) البقرة : ١٨٧.
(٢) الحديد : ٨.
(٣) المائدة : ٧.